وأما من كان همهم المعاندة والمكابرة فهم لا يحققون الإيمان.
وقوله: (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) لا يزالون يطلبون الرجعة إلى الدنيا، وتأخير العذاب عن أنفسهم إذا نزل بهم؛ كقولهم: (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ)؛ وكقوله: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)، فيتمنون الرجوع والنظرة، لكن لا يجابون.
وقوله: (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) هو كقولهم: (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ)، وقولهم: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً)، ومثله، وإلا ليس هذا في الظاهر جوابًا لقوله: (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) وجواب هذا - واللَّه أعلم - قوله: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ. . .): يقول: ما يغني تأخير العذاب عنهم، وإمهالهم عنه وقتا يمتعون فيه - من عذاب اللَّه من شيء؛ لا ينفعهم ذلك.
أو أن يكونوا سألوا العذاب في الظاهر واستمهلوه في الحقيقة، فخرج قوله: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. . .) الآية جوابًا لاستمهالهم.
أو أن يكون بعضهم استعجل العذاب واستمهل غيرهم، فخرج هذا جواب من استمهل.
ثم خوفهم فقال: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى ... ) يقول: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ) إهلاك استئصال وانتقام، إلا بعد الإنذار وإقامة الحجة والبيان.
(ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) أي: موعظة وزجرا عما هم فيه.
أو (ذِكْرَى) بذكر ما لهم وما عليهم وما لبعضهم على بعض.
وقوله: (وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ): في تعذيبهم، أي: لم نعذبهم بلا ذنب ولا جرم، ولكن بعنادهم ومكابرتهم؛ لأن العذاب في الدنيا لا يكون لنفس الكفر ولكن لعناد ومكابرة، وإنَّمَا عذاب الكفر في الآخرة؛ وعلى ذلك يخرج قوله: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا). أي: ما كنا معذبين في الدنيا تعذيب انتقام حتى نبعث رسولا، فيظهر منهم العناد والمكابرة، فعند ذلك يعذبهم اللَّه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ) أي: ما كنا نعذبهم إلا من بعد البيان والحجة وقطع العذر، واللَّه أعلم.
وفي مصحف أبي: (وما أهلكنا من قرية إلا بذنوب أهلها).