وقال: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ. . .) الآية.
وقال: (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. . .) الآية.
وصف اللَّه تعالى طاعتهم له، وائْتِمارَهم إياه؛ فلو كان اللعين الرجيم منهم لأطاعَه كما أَطاعوه.
والثاني: قوله: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) والملائِكة إنما خلقوا من النور.
والثالث: قوله تعالى: (كانَ مِنَ الجِنِّ)، ولم يقل من الملائِكة فَدَلَّت هذه الآياتُ أنه لم يكن من الملائكة.
ثم قال في قوله: (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ): إنه قد يجوز الاستثناء من غير نوع المستثنى منه؛ نحو ما يقال: دخل أَهل الكوفة هذه الدارَ إلا رجلًا من أَهل المدينة. وذلك جائِز في اللغة.
ويستدل بالاستثناء أن الأَمر كان عليهم جميعًا في الأَصل، وكان الأَمرُ بالسجود له وللملائِكة جميعًا؛ كقوله: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)، دل أَن كان هنالك أَمر للناس بالإفاضة، فكذلك الأَول، واللَّه أعلم.
وذهب من قال: إنه من الملائِكة، أنه لما لم يذكر في قصةٍ من القصص -مع كثرة التكرار لها في القرآن، وغيره من الكتب السالفة- أَنه ليس منهم، وليس فيما ذكر من الآيات ما يدل على أَنه لم يكن منهم؛ لأَن قوله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، لو لمْ يُتَوهم منهم العصيانُ والخلافُ لله تعالى لم يكن للمدح بالطاعة والخضوع له معنى.
ألا ترى إلى قوله: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ. . .) الآية مع ما ذكرنا: أنهم يُمتحنون بأنواع المحن، وكل مُمْتَحَن في شيء يجوز كون المعصية منه والخلاف لديه.
وأَما قوله: (كانَ مِنَ الجِنِّ)، أي صار من الجن.
وقيل: الجنُ أَراد به الملائِكة؛ سُمُّوا جنَّا لاستتارهم عن الأَبصار؛ كقوله: (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ). وأما قوله خلق الملائِكة من النُور، وإبليسَ من النار - فهو واحد؛ لأَنه أخبر - عز