أحدهما: يقول: لم أكن أعلم أن اللَّه يهديهم للإيمان والتوحيد من بينكم - يعني: الضعفاء - ويدعكم لا يهديكم.
ثم قال: (إِنْ حِسَابُهُمْ ... (113) أي: ما جزاء الذين اتبعوني من الأراذل (إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ).
والثاني: (وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، أي: ما أنا بعالم بما يعملون هم في السر وما ذلك عليَّ، (إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ)، أي: حسابهم عليه فيما يعملون في السر؛ فهذا يدل أن التأويل الأخير أشبه وأقرب من الأول، وكان من أُولَئِكَ طعن في الذين آمنوا بأنهم يعملون في السر على خلاف ما أظهروا، حتى قال لهم ذلك.
وفي بعض القراءات: (لو يشعرون) بالياء، فهو راجع إلى المؤمنين الذين اتبعوه، يقول: حسابهم على اللَّه فيما يعملون في السر، أي: لو يشعرون ذلك ولا يعملون في السر خلاف، ما يعملون في العلانية، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) قال أهل التأويل: إنهم سألوا نوحًا أن يطرد أُولَئِكَ الذين آمنوا به من الضعفاء؛ حتى يؤمنوا هم به، فقال عند ذلك: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ).
وجائز أن يكونوا طعنوا في الذين آمنوا أنهم قالوا ظاهرًا، وأما في السر فليسوا على ذلك، فقال نوح عن ذلك: وما أنا بطارد الذين آمنوا؛ يدل على ذلك قول نوح حيث قال: (وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا)، هذا القول منه يدل على أن كان منهم طعن في أُولَئِكَ الذي آمنوا به، حيث وكل أمرهم إلى اللَّه فقال: اللَّه أعلم بما في أنفسهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قد ذكرناه فيما تقدم في غير موضع.
وقوله: (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) المرجوم: هو المقتول بالحجارة، وهي أشد قتل؛ لذلك أوعدوه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لتكونن من المشتومين باللسان.
لكن الأول أقرب؛ لأنه قد كان منهم الشتم فلا يحتمل الوعيد به.
ثم دعا نوح عند ذلك فقال: (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا ... (118) أي: اقض