للمتقين لا معنى له أن يطلبوا لأنفسهم الإمامة، ولكن على الوجه الذي ذكرنا، والله أعلم.
ثم أخبر عن جزائهم في الآخرة لعملهم في الدنيا وصبرهم على ما أمروا، فقال: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) والغرفة: هي أعلى المنازل وأشرفها؛ أخبر أنهم يجزون ذلك ويكونون فيها.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا)، فجائز أن يكون الغرفة المذكورة في الآية كناية عن الجنة؛ يدل له حرف ابن مسعود.
وجائز أن يراد به نفس الغرفة؛ وهو لارتفاعها وعلوها على غيرها من المنازل، وذلك مما يختار الكون فيها في بعض الأوقات في الدنيا، والناس يرغبون فيها لإشرافها وارتفاعها على غيرها؛ فرغبهم بذلك في الآخرة.
وقوله: (وَيُلَقَّوْنَ) فيها بالتخفيف والتشديد، (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) أي: يلقاهم الملائكة بالتحية والسلام؛ كقوله: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ)، وقوله: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ).
أو يلقى بعضهم بعضا بالتحية والسلام، ويحيي بعضهم بعضا، ويسلم بعضهم على بعض.
وقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا ... (76) دائمين.
(حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا): تأويله - واللَّه أعلم - أي: حسنت لهم الجنة مستقرا ومقاما؛ حتى لا يملوا فيها ولا يسأموا، ولا تأخذهم الوحشة والكآبة؛ كنعيم الدنيا يمل ويسأم عند الكثرة وطول المقام.
وقوله: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ (77) قَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا يَعْبَأُ بِكُمْ) أي: ما يعتد بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى التوحيد لتوحدوه وتطيعوه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا يَعْبَأُ) أي: ما يصنع بكم ربي.
وتأويله - واللَّه أعلم - أي: ما يصنع ربي بعذابكم إن شكرتم وآمنتم.
وقوله: (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا): اختلف فيه؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: