الغيب بلا تعليم ادَّعوه من اللَّه تعالى.
وفي قصة آدم عليه السلام دلالة نبوة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ إذْ أَخبر نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بما علم بما في غير القرآن من الكتب السماوية من غير أَن عُرِف بالاختلاف إليهم، أَو معرفة الأَلسن التي بها ذكرت في كتبهم. ذكرَها على ما لم يَدع أَحد -له العلمُ بها- النكيرَ عليه؛ ليُعلم أَنه باللَّه علم ذلك.
وفيها دلالة فضل آدم عليه السلام أَبِي البشر؛ إذ أَحوجَ ملائكتَه إليه لاقتباس أَصل الأَشياءِ، وهو العلم الذي كل خير له كالتابع، وبه يصلح وينفع، ولا قوة إلا باللَّه.
وفيها دلالة محنة الملائكة بوجهين:
أَحدهما: تعلُّمُهم العلم الذي هو أحق شيء يحتمل الخير؛ إذ قد يُلْهَم المرءُ ربما من غير تكلف، وهم قد أمروا به مع ما قدم ما يخرج مخرج التهدد في القول من قوله: (أَنبئوني) وذلك -فيما لا محنة- فاسد مع ما سبق من دليل المحنة.
والثاني: فيما أمرهم بالسجود لآدم عليه السلام حتى صير مَنْ أَبَى كافرًا إبليسًا.
وفي ذلك أيضًا دليل فضل آدم عليه السلام؛ إذ جُعِل موضعَ عبادةِ خيار خلقِ اللَّه معه، وباللَّه التوفيق.
وفي ذلك أن السجود ليس بنفسه عبادة؛ إذ قد يجوز السجود لأَحد من الخلق كما أمر به لآدم عليه السلام: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)، ولم يجز الأمر بالعبادة لآدم، ولله اسم المعبود، ولو جاز لأحد ذلك لكان غيرُ اللَّه إله.
دليل ذلك تسمية العرب كل شيء يعبدونه إلهًا، ولا قوة إلا باللَّه.
ثم السجود يحتمل وجهين:
الوجه الأول: الخضوع كما قال اللَّه تعالى: (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. . .) الآية.
وقوله: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)، فإن كان المراد منه الخضوع له والتعظيم، فكذلك يحتمل وجهين:
أحدهما: أن اللَّه تعالى إذ فضله عليهم بما أطلعه على علوم خصه بها أمره بالخضوع والتعظيم، فذلك الحق على كل محتاج إلى آخر ما به رجاءُ النجاة، أو دَرْك العلو والكرامة أَن يعظمهُ ويبجلهُ، ويخضعَ له.
والثاني: امتحنهم بوجه يُظهر قدرَ الطاعةِ؛ لأَن الخضوعَ لمن يعلو أَمره ويجِلُّ قدره،