وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)، أي: تغيظًا عليهم؛ كذلك قال المفسرون.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: بل يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم واعتبروا ذلك بقول اللَّه تعالى: (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ)، واعتبره الأولون بقوله: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) هذا أشبه التفسيرين إن شاء اللَّه؛ لأنه قال: (سَمِعُوا لَهَا)، ولم يقل: سمعوا فيها، ولا منها. وقال: (ثُبُورًا) أي: بالهلكة؛ كما يقول القائل: واهلاكاه، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
وقوله: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: نحشر أُولَئِكَ الذين عبدوا دون اللَّه والمعبودين وهم الملائكة؛ لأن من العرب من قد عبدوا الملائكة؛ كقوله في آية أخرى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ. . .) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو عيسى يحشر بينه وبين من عبدوه؛ لأنه قد عبد دون اللَّه فيقول له ما ذكر؛ كقوله: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ. . .) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يحشر الأصنام ومن عبدها، ثم يأذن لها في الكلام فيقول: (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ)؛ كقوله: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ) إلى قوله: (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ)، ولو كان عيسى - عليه السلام - أو الملائكة لكانوا عالمين بعبادتهم إياهم غير غافلين؛ دل ذلك أنها الأصنام التي عبدوها دون اللَّه وإياها يسألون.
وكل ذلك محتمل؛ إذ قد كان منهم ذلك كله، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ): واللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -