وقوله: (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أي: غير مظهرات محاسنهن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ) أي: غير متزينات بزينة، والمتبرجة: المتزينة؛ لإظهار الزينة، والزينة: هي الداعية المرغبة إلى النظر إليها وقضاء الشهوة، فكأنه أباح لها وضع الثياب إذا كانت غير متزينة، وإذا كانت متزينة فلا، وأباح لها -أيضًا- إذا لم يكن بها محاسن يرغب فيها، وإذا كان بها ذلك لم يبح.
وقوله: (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) يحتمل وجهين:
أحدهما: يحتمل: وإن يستعففن ولا يبدين محاسنهن خير لهن من أن يبدين.
والثاني: وأن يستعففن ولا يضعن ثيابهن حتى يكون ذلك علمًا بين معرفة الحرة من الأمة خير لهن من الوضع؛ كقوله: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) أن يعرفن أنهن حرائر فلا يؤذين كما تؤذى الإماء، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) كأن قوله: (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) هاهنا صلة قوله: (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وإلا ليس في هذه الآية ما يوصل به.
أو أن يكون جوابًا له.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: القواعد من النساء: هن العجزة، واحدها: قاعد، ويقال: إنما قيل لها: قاعد؛ لقعودها من الحيض والولد، ومثلها لا ترجو النكاح، أي: تطمع فيه، ولا أراها سميت قاعدًا بالقعود عما ذكر، إلا أنها إذا أسنت عجزت عن التصرف وكثرة الحركة، وأطالت القعود، فقيل لها: قاعد، بلا هاء؛ ليدل بحذف الهاء على أنه قعود كِبَر، كما قالوا: امرأة حامل بلا هاء؛ ليعرف على أنه حمل حبل، وقالوا في غير ذلك: قاعدة في بيتها، وحاملة علي ظهرها، وقال: والعرب تقول: امرأة واضع: إذا كبرت فوضعت الثياب، ولا يكون هذا إلا في الهرمة.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) كل واحد من الحرفين يكون معناه معنى الآخر؛ كقوله: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) إذا كن محصنات كن غير مسافحات، وإذا كن غير مسافحات كن محصنات؛ فعلى ذلك قوله: (لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا)، إذا كن لا يرجون النكاح كن غير متبرجات - واللَّه أعلم - لأن التزين إنما يكون منهن طمعًا في النكاح والناس مع ما لا يرجون النكاح يتزين ويتبرجن، فقال: (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) غير مظهرات الزينة.