الاستئذان في الكبار معروفًا ظاهرًا، وفي الصغار لا، فأمر إذا بلغوا أن يستأذنوا كما يستأذن الكبار منهم.
وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ما يوافق ظاهر الآية، وهو رفع القلم عن ثلاث: أحدهم: الصبي حتى يحتلم، وأما إذا بلغ خمس عشرة سنة فمما اختلف أصحابنا فيه: رآه أبو يوسف ومُحَمَّد بالغًا؛ لحديث ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أجازه في القتال وهو ابن خمس عشرة سنة، ولم يجز له وهو ابن أربع عشرة سنة، لكن ليس فيه أنه أجازه لبلوغه، ولم يجزه لأنه لم يبلغ؛ جائز إجازته في العام الثاني لقوته وطاقته على القتال، ولم يجزه في العام الأول لضعفه ووهنه وعجزه عن القتال.
واحتج بعض مشايخنا - رحمهم اللَّه - لقول أبي حنيفة في تحديده بثماني عشرة سنة
لبلوغ الغلام إذا لم يحتلم، قال: لأن الوسط من احتلام الغلمان أن يبلغوا خمس عشرة سنة، وربما احتلموا قبل ذلك، وربما تأخر احتلامهم عنه، ووجد المعروف فيمن نقصت سنه عن اثنتي عشرة ألا يحتلم، فإذا بلغها فربما احتلم، فجعل حد الزيادة على الخمس عشرة سنة التي هي وسط بين المختلفين - ثلاث سنين، كما كان مقدار النقصان عنها ثلاث سنين، وهذا القول من قوله استحسان، واللَّه أعلم.
وقوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) قوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) أعلامه؛ أي: يبين لكم الأعلام التي تحتاجون إليها وتعرفون ما يسع لكم مما لا يسع وما يؤتى مما يتقى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: آياته - هاهنا -: أمره ونهيه، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) قال أهل التأويل: قوله: (لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا) لا يريدون نكاحًا، لكن الأشبه أن يكون قوله: (لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا) أي: لا يطمعن