(56)

(57)

هذه الآية على أثر ما ذكر.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: لما صدّ المشركون رسول اللَّه وأصحابه يوم الحديبية وعد الله المسلمين أن يظهرهم وأن يفتح لهم مكة، وقال: وتصديق ذلك ما ذكر في سورة الفتح، وهو قوله: (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. . .) الآية، حتى قال في آخر ذلك: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. . .) الآية؛ وعد رسوله في القرآن أنه يستخلفهم في الأرض وينزل فيها كما استخلف الذين من قبلهم فجعلهم خلفاء في الأرض.

وقال قائلون: كان وعده إياهم في التوراة والإنجيل والزبور أنه يجعلهم خلفاء في الأرض كما فعل بالذين من قبلهم، ولكن كيفما كان ذلك الوعد لهم في القرآن أو في الكتب المتقدمة ففيه أمران اثنان:

أحدهما: البشارة للمسلمين، والحجة على الكافرين؛ لأنه وعد لهم الأمن في النصر في وقت لا يرجون ولا يطمعون في النجاة فضلا أن يطمعوا في الاستخلاف، والتمكن في الأرض، وإظهار الدِّين الذي ارتضى لهم وهو الإسلام على الأديان كلها، فإذا كان مثل ذلك الوعد والبشارة لا يطمع ولا يرجى في مثل ذلك الوقت والخوف - علم أنه إنما بشرهم بذلك بوحي من اللَّه، ووعد منه، فكان ما وعد دل أنه باللَّه وعد ذلك وبشر، فذلك حجة على أُولَئِكَ، وبشارة للمؤمنين، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

قوله: (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ) ليس بشرط فيه؛ لأنه لو كفر قبل ذلك -أيضًا- فهو فاسق.

ثم من الناس من قال: ومن كفر بعد هذه النعم التي أنعمها عليهم ولم يشكره عليها فهو كذا.

وجائز أن يكون قوله: (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ) ليس له جواب.

وقوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (56) فيما أمركم به ونهاكم عنه (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) هو ظاهر، قد ذكرنا هذا فيما تقدم في غير موضع.

ثم قال: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) قَالَ بَعْضُهُمْ: (مُعْجِزِينَ) أي: فائتين في الأرض هربًا من عذابه؛ فلا يدركهم.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: سابقين في الأرض هربًا -أيضًا- حتى لا يجزون بكفرهم، وهو واحد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015