(45)

الْوَدْقَ) أي: المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ) و (خَلَلِهِ)، (سَنَا بَرْقِهِ) ضوءه.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: والركام: الكثير المتراكم الذي بعضه فوق بعض؛ يقال: ارتكم الشيء، أي: صار بعضه على بعض، ويقال: ركمت المتاع أركمه ركمًا: إذا جعلت بعضه فوق بعض، والودق: المطر؛ يقال: ودقت السماء تدق ودقًا: أي: مطرت (يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ) أي: من بينه، وواحد الخلال: خلل، (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ) السنا مقصور، وهو الضوء؛ يقال: السنا: النار، وهو واحد.

وقوله: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ... (45) هو - واللَّه أعلم - صلة قوله: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. . .) الآية؛ ذكر السحاب وما فيه من التدبير والعلم والحكمة، وذكر -أيضًا- تقليبه الليل والنهار وما فيهما من التدبير والعلم والحكمة والقدرة؛ فعلى ذلك قوله: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) يذكر قدرته وسلطانه وعلمه وتدبيره؛ أخبر أنه خلق الخلائق كلهم من هذا الماء، على اختلاف أجناسهم وجواهرهم من شيء واحد وأنهم لم يكونوا بالطباع كذلك، ولكن بتدبير واحد عالم بذاته، لا بعلم وتدبير مستفاد، ولكن علم ذاتي؛ إذ لو كانوا بالطباع لخرجوا على تقدير واحد وصفة واحدة.

والثاني: أنه لا أحد من حكماء البشر يدرك كيفية إنشاء هذا العالم، وخلق هذه الخلائق من هذه المياه فإنه خلق ذلك، وليس في تلك المياه معنى ولا شيء من جوهر الخلائق دل إنشاؤه إياهم أنه قادر بذاته، لا يعجزه شيء يخلق بسبب وبغير سبب، وأنه خلق الخلائق بحكمة ذاتية؛ إذ لم يدرك ذلك حكماء البشر.

ودل خلق هذه الخلائق على هذه المعاني والأسباب أنه لم يخلقهم عبثًا ليتركهم سدى، لا يأمرهم ولا ينهاهم؛ فإذا ثبت الأمر والنهي ثبت الإحياء من بعد الممات للجزاء.

ودلت قدرته على خلق هذه الخلائق من الماء أنه قادر على الإحياء، وأنه لا يعجزه شيء؛ لأن من قدر على هذا لقادر على ما ذكرنا.

وقوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ) يذكر هذا - واللَّه أعلم - لأحد وجهين:

إما تذكيرًا إياه نعمه ومننه وفضله الذي أعطاهم وإحسانه الذي أحسن إليهم؛ لأنه أخبر أنه خلق هذا العالم معتدلا سويًّا من غير أن كان منهم اختيار لذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015