التشابه.

في الحقيقة إنها تحتمل وجوهًا:

أحدها: أَنْ نَصِفَهُ بالذي جاء به التنزيل على ما جاء، ونعلم أَنه لا يشبه على ما ذُكر من الفعل فيه بغيره؛ لأنك بالجملة تعتقد أن اللَّه ليس كمثله شيء، وأنه لا يجوز أَن يكون له مثل في شيء؛ إذ لا يوجد حدثه فيه، أَو قدم ذلك الشيء من الوجه الذي أشبه اللَّه.

وذلك مدفوع بالعقل والسمع جميعًا، مع ما لم يجز أَن يقدر الصانع عند الوصف بالفعل كغيره، وأنه حي، قدير، سميع، بصير، نفى ما عليه أمر الخلق لما يصير بذلك أَحد الخلائق.

وإذا بطل هذا بطل التشابه وانتفى، ولزم أَمر السمع والتنزيل على ما أَراد اللَّه. وبالله التوفيق.

والثاني: أَن يمكن فيه معان تُخرِج الكلام مَخْرج الاختصار والاكتفاءِ بمواضع إفهام في تلك المواضع على إِتمام البيان، وذلك نحو قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) أَي: بالملك. وذلك كقوله: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ. . .) أَي: بربك (فَقَاتِلَا)؛ إذ معلوم أَنه يقاتل بربه؛ ففهم منه ذلك.

وكذلك معلوم أَن الملائكة يأتُون، فكأنه بين ذلك.

يدل عليه قوله: (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، وكذلك (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ. . .) الآية.

ومما يوضح أَنه لم يكن أَحدٌ اعتقد أَو تصوَّر في وهْمِه النظرُ لإتيان الربِّ ومجيئه، ولا كان بنزوله وعد بنظر. وكان بِنزولِ الملائِكة؛ كقوله: (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى. . .)، وقوله: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ) فيما ذكرنا عظيمُ أَمرهم، وجليلُ شأْنهم، ومثله في قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرشِ اسْتَوَى)، مع ما له وجهان:

أَحدهما: أَن يكون معنى العرش الْملك والاستواءُ التام الذي لا يوصف بنقصان في ملك، أَو الاستيلاءُ عليه، وألَّا سلطان لغيره، ولا تدبير لأَحد فيه.

والثاني: أَن يكون العرش أَعلى الخلق وأَرفعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015