باختيارهم الكفر- بين أَطباق النار؛ فذلك هو الخسران المبين.
وقوله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ (28)
يحتمل وجوهًا:
" كيف ": من أَين ظهرت لكم الحجةُ أَن تعبدوا من دون اللَّه من الأَصنام وغيرها أَنه حق، ولم يظهر لكم منها الإنشاء بعد الموت، ولا الإماتةُ بعد الإحياءِ؟
وقيل: كيف تكفرون بالبعث بعد الموت (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا) يعني نُطَفًا (فَأَحْيَاكُمْ)، وأَنتم لا تنكرون إنشاء الأَول فكيف تنكرون البعث والإحياء بعد الموت؛ وقيل: كيف تكفرون بالإحياءِ والبعث بعد الموت، وفي العقل أن خَلْقَ الخلْق للإفناءِ والإماتة من غير قصد العاقبةِ عبث ولعب؛ لأَن كل بانٍ بنى للنقض فهو عابث، وكذلك كل ساع فيما لا عاقبة له فهو عابث هازل، فكيف تجعلون فعله عَزَّ وَجَلَّ؛ إذ لو لم يجعل للخلق دارًا للجزاءِ، والعقاب كان في خلقه إياهم عابثًا هازلًا خارجا من الحكمة؟! تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرًا.
وقوله: (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
أَي: تعلمون أَنكم تُرجَعون إليه، وكذلك المصير والمآب.
والثاني: ترجعون إلى ما أعَد لَكُم من العذاب. احتج عليهم بما أَخبرهم اللَّه أَنه أَنشأهم بعد الموتة الأُولى، وأنه يبعثهم بعد الموتة الأُخرى (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) كأنه يقول: ثم اعلموا أَنكم إليه ترجعون.
قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا (29)
قيل: إنه صلة قوله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا) أي: كيف تكفرون بالذي خلق لكم ما في الأرض ما يدلكم على وحدانيته؛ لأَنه ليس شيء من الأرض إلا وفيه دلالة وحدانيته.
ويحتمل: كيف تكفرون بالذي خلق لكم ما في الأَرض نعيمًا من غير أَن كان وجب لكم عليه حق من ذلك لتشكروا لَهُ عليها، فكيف وجهتم أَنتم الشكر فيها إلى غيره؟
ويحتمل (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ): محنة يمتحنكم بها في الدنيا؛ كقوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، ثم لتجزون في دار أخرى فكيف أنكرتم البعث؟!