(28)

بأدب اللَّه، وروي في بعض الأخبار: (أن من دخل بيتًا بغير إذن قال له الملك الموكل به: عصيت وآذيت فيسمع صوته الخلق كله غير الثقلين، ويصعد صوته إلى السماء الدنيا، فيقول ملائكة السماء: إن فلانًا عصى ربه وأذى).

وقوله: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) هذا يدل على أن الاستئذان وطلب الإذن لا لحيث أنفسهم خاصة ولكن لأنفسهم ولما لهم في البيوت من الأموال؛ لأنه قال: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا) لم يأذن لهم بالدخول فيها وإن لم يكن فيها أحد حتى يأذن أرباب الأموال والمنازل بالدخول فيها؛ ليعلم أن النهي عن الدخول للأنفس والأموال جميعًا؛ لأن الناس يتخذون البيوت والمنازل صونًا للأنفس والأموال جميعًا، فكما يكرهون اطلاع غيرهم على أنفسهم وعيالاتهم فلا يطيب أنفسهم أيضًا باطلاع غيرهم، على أموالهم وأمتعتهم فلا يدنجل إلا بإذن من أهلها، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) ذكر في بعض الأخبار أن الاستئذان ثلاث من لم يأذن له فيهن فليرجع؛ أما الأولى: فيستمع الحي، وأمَّا الثانية: فيأخذون حذرهم، وأما الثالثة: فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا.

وقيل: لا تقعدن على باب قوم ردوك عن بابهم؛ فإن للناس حاجات ولهم أشغال، واللَّه أعذر بالعذر.

وفي بعضها: وما تنقبم من شيء بابن آدم هو أزكى لكم.

وقوله: (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ)؛ لأنه إذا لم يؤذن بالدخول فقعدوا على بابهم ولم يرجعوا، أورث ذلك معاني تكره:

أحدها: تهمة على أهل الدار على ما يقعد على أبواب أهل التهم من الشرطي وغيره فذلك مكروه عند الناس.

والثاني: يكون للناس أشغال وحاجات في منازلهم وخارج المنازل، فإن انتظر وقعد على بابهم ضاق بذلك ذرعهم وشغل قلوبهم ذلك فلعل حاجاتهم لا تلتئم لشغلهم به؛ لذلك كان الرجوع أزكى لهم وخيرًا لهم من القعود على الباب والانتظار، واللَّه أعلم.

وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " الاستئذانُ ثلاث فإِنْ أُذِنَ لكَ فيهن وإلا فَارْجِعْ ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015