وروي عن عمر أنه قال: المتلاعنان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا.
ثم مسألة أخرى: أنه إذا فرق بينهما باللعان فأكذب الملاعن نفسه: يجوز له أن يتزوجها أم لا؟
فعند بعض أهل العلم: ليس له أن يتزوجها؛ احتجوا بما روي عن عمر وعلي - رضي اللَّه عنهما -: " المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا "، وعن عبد اللَّه كذلك.
وعند أبي حنيفة ومُحَمَّد - رحمهما اللَّه -: له أن يتزوجها إذا أكذب نفسه، وليس في الخبر: " لا يجتمعان أبدا "، وإن تاب وأكذب نفسه فجائز أن يكون قوله: " لا يجتمعان أبدا " ما داما في تلاعنهما وما أقام على قوله ولم يكذب نفسه، وإن كان فيه حجة لمن قال إذا قال: " لا يجتمعان " قبل التوبة وبعدها، يدل على ما ذكرنا قوله: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)، وقوله: (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) ما داموا في ملتهم، فأمَّا إذا انقلعوا منها فقد أفلحوا؛ فعلى ذلك: لا يجتمعان أبدا ما داموا في تلاعنهما وما أقام الزوج على قوله، فأمَّا إذا رجع عن ذلك لهما الاجتماع، واجتمعوا: أنه إذا أكذب نفسه وادعى الولد ألحق به؛ فعلى ذلك هي.
والثاني: لو أكذب الزوج نفسه بعد اللعان قبل الفرقة، وجب أن يحدّ، ويكونان على نكاحهما، فيجب إذا أكذب نفسه بعد اللعان فجلد - فله أن يتزوجها.
ثم فرقة اللعان عندنا طلاق، وهي تطليقة بائنة؛ لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما لاعنَ بين عويمر وامرأته - قال: " كذبت عليها إن أمسكتها؛ هي طالق ثلاثا "؛ فصارت سنة في المتلاعنين، فإذا كانت سنة الفرقة بين المتلاعنين الطلاق الذي أوقعه عويمر؛ فواجب أن يكون كل فرقة تقع باللعان: طلاقا.
ومن الدليل على ذلك أن قذف الزوج كان سبب هذه الفرقة، وكل فرقة تكون من الزوج، أو أن يكون الزوج سببها، وتقع بقوله فإنها طلاق: كالعنين، والخلع، والإيلاء ونحوه؛ فعلى ذلك فرقة اللعان تطليقة بائنة؛ لأن الزوج سببها وتقع به، وعلى ذلك جاءت الآثار عن السلف أن كل فرقة وقعت من قبل الرجال بقول، فهي طلاق، من نحو إبراهيم، والحسن، وسعيد وقتادة وهَؤُلَاءِ، وكذلك يقول أصحابنا: إن كل فرقة جاءت من الرجال بقول - فهي تطليقة.
فإن عورض بأفعال تكون من الرجال، فثقع بها الفرقة والحرمة: من نحو الجماع