قال عامة أهل التأويل: الحق - هاهنا - هو اللَّه، أي: لو تبع اللَّه أهواءهم في كفرهم وشركهم (لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)، وتأويل هذا أن الكفر والشرك مما لا عاقبة له، وكل شيء لا عاقبة له فهو في الحكمة والعقل فاسد باطل غير مستحسن.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحق - هاهنا - كتاب اللَّه، وهو القرآن على ما يهوون هم؛ ليفسد ما ذكر؛ لأنه يكون خارجًا عن الحكمة.
وجائز أن يوصل قوله: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ) الحق الذي سبق ذكره، وهو قوله: (بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، أي: لو اتبع ذلك الحق أهواءهم وجاء على ما هوته أنفسهم واشتهت من عبادة غير اللَّه، وتسميتهم إياها آلهة، وإنكارهم البعث والتوحيد، وغير ذلك من الأفعال التي كانوا اختاروها وعملوها - لفسدت السماوات والأرض وما ذكر؛ لأنه يكون خلقهم وخلق ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهن - لا لما توجبه الحكمة والعقل؛ إذ خلقهم وخلق ما ذكر لأفعالهم التي يفعلون؛ فإذا خرج أفعالهم على غير ما توجبه الحكمة والعقل، بل على السفه والجهل - خرج الذي لها خلق، ومن أجلها أنشئ، كذلك؛ إذ خلق الشيء وفعله لا لعاقبة تقصد - خارج عن الحكمة، واللَّه أعلم بذلك.
وجائز أن يكون الحق هو رسول اللَّه، أي: رسول اللَّه لو اتبع أهواءهم لفسد ما ذكر.
وقوله: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ).
قال أهل التأويل: لشرفهم وذكرهم؛ كقوله: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ).
وقوله: (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ).
أي: عن شرفهم معرضون.
وجائز أن يكون الذكر هو الحق الذي تقدم ذكره، أي: لو قبلوا ذلك الحق الذي جاءهم وأقبلوا نحوه يكون في ذلك ذكرهم من بعد هلاكهم؛ كما يُذكر أصحاب رسول اللَّه من بعد ما ماتوا؛ ألا ترى أولادهم بذكر آباءهم يتعيشون يقولون: أنا من بني فلان؛ فيبرهم الناس بذلك ويكرمونهم، وأما أُولَئِكَ فإنهم لا يذكرون بشيء من ذلك؛ فذلك يدل على ما ذكرنا.
ويحتمل قوله: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ) الثناء عليهم أن لو آمنوا؛ كقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. . .) الآية، وقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)