تقصد، وهو البقاء الدائم لا فناء فيه، وهو ما ذكر: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ).
وقوله: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ).
أما أهل التأويل فمنهم من قال: نفخ الروح فيه، وهو قول ابن عَبَّاسٍ وغيره.
وقَالَ بَعْضُهُمْ إنبات الشعر ونحوه، وهو قول قتادة وغيره.
وعن الحسن وغيره: ذكر أو أنثى.
وجائز أن يكون قوله: (أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ): غير ما قال هَؤُلَاءِ، وهو إظهار الجوارح والأعضاء وتركيبها، ما فيه دلالة؛ لأنه أخبر أنه يقلبه شيئا واحدًا مصمتا ليس به هذه الجوارح والأعضاء، إنما يكون فيه آثارها لا أعينها فيركب فيه أعين الجوارح والأعضاء حتى يكون إنسانا، فذلك هو إنشاء خلق آخر، ويكون نفخ الروح ونبت الشعر في تركيب ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
ومن ينكر خلق الشيء لا من شيء، ويقول بقدم العالم إنما ينكر ذلك؛ لما لم ير في الشاهد صنع شيء لا من شيء، فيقال له: وهل رأيت إنشاء شيء من شيء على إتلاف الأصل حتى لا يبقى له أثر، فإذا لم تر هذا في الشاهد، وقد رأيت في الغائب إنشاء شيء من شيء على إتلاف الأول منه، نحو النطفة تصير علقة على تلف النطفة فيها، والعلقة مضغة على إتلاف العلقة فيها. . . إلى آخر ما ذكر، كل ذلك منشأ من آخر إنما كان بعد تلف الأصل، فهلا دل ذلك على أن عدم الإنشاء في الشاهد لا من شيء لا يدل على عدمه في الغائب، وأنه حيث قدر على هذا يقدر على كله.
وقوله: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
من الناس من يستدل على أنه إذا لم يكن سواه خالقًا لم يكن لقوله: (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) معنى؛ كقوله: (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، و (أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)، ونحوه، إنما قال هذا لما يكون سواه رحيمًا حكيمًا كريمًا؛ فأخبر أنه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين؛ فعلى ذلك ما قال: (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
ولكن جائز القول بمثل هذا عند الناس على غير إثبات آخر سواه في ذلك حقيقة، وهو يخرج على وجوه: