يحتمل وسعهم، ولا بنيتهم، ولا حمل عليهم أمورًا شاقة خلاف ما عليه طباعهم وأمر معاشهم، ولكن كلفهم بعبادات احتمل بها وسعهم وبنيتهم، وحمل عليهم أمورًا غير شاقة موافقة لما عليه أمر معاشهم وطباعهم، وإن بعد ونأى عليهم.

والرابع: أنه لم يجعل توبتهم عما ارتكبوا من المعاصي والمآثم قتل بعضهم بعضًا، وإهلاك بعضهم بعضا، على ما جعل ذلك لقوم، حيث قالوا لهم: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، ولو كلف ذلك كان حرجًا في الدِّين، وأمثال ذلك.

والخامس: جائز أن يكون قوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي: من شك وشبه، أي: قد أزاح عنكم الشبه والشك بالحجج والبراهين التي أقامها لكم، واللَّه أعلم.

وقوله: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: على الأمر: أن الزموا ملة إبراهيم.

والثاني: أن هذا الذي ذكر هو ملة أبيكم إبراهيم.

وقوله: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا) اختلف فيه:

قال عامة أهل التأويل: قوله: (هُوَ سَمَّاكُمُ) أي: اللَّه سماكم المسلمين.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: إبراهيم (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)، حيث قال: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ورسول اللَّه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان من ولد إسماعيل، وقد دعا له ولذريته بذلك.

وقوله: (مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا): قَالَ بَعْضُهُمْ: (مِنْ قَبْلُ): في الكتب المتقدمة (وَفِي هَذَا)، أي: في القرآن.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مِنْ قَبْلُ): في الأمم الذين كانوا من قبل؛ لأنه ما من قوم وأمة إلا وفيهم مسلمون متسمون بهذا الاسم، (وَفِي هَذَا): في قومه، أي: كنتم متسمون بهذا الاسم في الأمم الخالية، كقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، أي: كنتم خير أمة في الأمم التي كانت من قبل أنها تخرج في هذا الوقت، واللَّه أعلم.

وقوله: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ) قال قائلون: (عَلَيْكُمْ) بمعنى: لكم، وذلك جائز في اللغة، كقوله: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) أي: للنصب؛ فعلى ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015