وما روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه رأى رجلًا يسوق بدنة، فقال له: " اركبها " فقال: إنها بدنة يا رسول اللَّه، فقال النبي: " اركبها "، فقال: إنها بدنة. فقال: " اركبها ويحك "، وفي بعض الأخبار: " ويلك؛ فهذا عندنا لما رأى بالرجل الحاجة الشديدة إلى ركوبها، وهو ما ذكرنا: أن الانتفاع بها يجوز في حال الاضطرار، ولا يجوز في حال الاختيار؛ إذ الانتفاع بالمحرمات يجوز في حال الاضطرار، فعلى ذلك بالبدن التي جعلت معالم للمناسك، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) دل هذا أن ذكر اسم اللَّه من شرط الذبيحة؛ لأنه لم يذكر الذبح بنفسه، ولكن إنما ذكر: ذكر اسمه، فلولا أنهم فهموا من ذكر اسم الله عليها ذبحها ونحرها، وإلا لم يكتف بذكر اسمه دون ذكر الذبح؛ فدل أنهم إنما عرفوا ذلك به، وأنه من لئرط جوازها، واللَّه أعلم.
وقوله: (صَوَافَّ)، فيه لغات ثلاث:
إحداها: (صوافي): أي بالياء، وهو من الإخلاص لله، والصفو له.
والثانية: (صوافن) بالنون، وهو من عقل ثلاث قوائم منها، وترك أخرى مطلقة.
والثالثة: (صوافٍ) بالتنوين، أي: قياما مصطفة.
وكأن جميع ما ذكر يراد أن يجمع فيها من الإخلاص له وعقل القوائم، والقيام، وكذلك جاءت السنة والآثار. وفي حرف ابن مسعود: (صوافن)، بالنون، وتأويله ما ذكرنا.
وظاهر الآية يدل على القيام؛ لأنه قال: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا)، وقوله: (وَجَبَتْ)، أي: سقطت، والسقوط إنما يكون من القيام، فدل أنها تنحر قيامًا لا مضطجعة، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَكُلُوا مِنْهَا) قد ذكرنا هذا فيما تقدم في قوله: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) و (الْبَائِسَ الْفَقِيرَ): من سألك؛ هذا قول بعض.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (الْبَائِسَ): المعروف بالبؤس، و (الْفَقِيرَ): المتعفف الذي لا يسأل.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (الْبَائِسَ): المسكين، و (الْفَقِيرَ): فقير.
قَالَ بَعْضُهُمْ: (الْبَائِسَ): الضرير.
و (الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: (الْقَانِعَ): هو الراضي، وهو من القناعة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو السائل، وهو من القنوع، (وَالْمُعْتَرَّ): الذي يعتريك ولا يسأل،