وحياته لم ينتفع بنور الآخرة وجزائِها.
وكذلك الذي ذهب عنه ضوء البرق يبقى متحيرا؛ إذ به يبصر الطريق كمن يذهب عته بصر القلب؛ إذ به يبصر عواقب الأَشياءِ.
بل الذي قصد السلوك بالبروق، والاستضاءَة بنور النار، إذا ذهب كان أَعظمَ حسرة وأَشد خوفًا من النارِ، وشدةِ المطرِ، وخبثِ الطريق من الذي لم يعرف -في الابتداءِ- نفع النار أَو البرق، ويكره المطر على شدة رغبته فيه، والنار بما ذهب منه.
وكذلك المنافق في الآخرة إن لم يكن منه ما أظهر إذ به يُرد إلى درك الأَسفل، ولا قوة إلا باللَّه.
وكذلك الكافر لم يبصر -بما أَعطاه من البصر- عواقب البصر الظاهر، ولا يسمع -بما أَنعم عليه من السمع- عواقب السمع؛ إذ حق ذلك أن يؤدي ذلك ما أَدركه إلى العقل ليعتبر به أَنه لم يخلق شيء من ذلك بالاستحقاق، ولا يحتمل عقله الإحاطة بكنه ما فيه من الحكمة، فيعلم عظم نعمة اللَّه وخروج مثله عن العبث، فيقوم بأداءِ شكره؛ وبذلك يصير به إلى الجزاءِ في العواقب، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
يحتمل وجهين:
أَحدهما: صم؛ لأَنه ختم على آذانهم، وعلى سمعهم، وعلى قلوبهم؛ فلا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يعقلون.
ويحتمل: أَنهم صم بكم عمى؛ لما لم ينتفعوا بأسماعهم، وأَبصارهم، وقلوبهم.
ثم اختلف في جواز إضافة لفظ " الاستهزاءِ " إلى اللَّه تعالى "
فأجازه قوم، وإن كان ذلك قبيحًا من الخلق؛ لما قبح منهم بما لا أحد يستهزئ بأَحدٍ -إما لجهله، أَو لقبح في الخلقة، أَو لزيادة في الخلق- إلا والمستهزئ نحو هذه قد يحتمل ذلك لولا إنعام اللَّه عليه الذي قد أغفل عنه، أَو لدناءة في الخلق باشتغاله بما ذكر، مع ما لعل الإغفال من هذا أوحش، وأَقبح من حال المستهزأ به.
ولذلك قال عَزَّ وَجَلَّ: (لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ. . .) الآية.
وذلك نحو التكبر: أنه قبيح من الخلق، بما لهم أَشكال في الحدث، وآثار الصنعة، واحتمال كل منهم بما احتمل غيره.
وجائِز إضافته إلى اللَّه تعالى، لتعاليه عن الأَشباه والأَشكال، وإحالة احتمال ما احتمل