وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) في الجنة (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: من خذله اللَّه وطرده عن عبادته وبابه (فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)، كقوله: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).
أو أن يقول: ومن أهانه اللَّه في النار بالعذاب، فما له من منج ينجيه عن ذلك.
(إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) هذا على المعتزلة؛ لأنهم يقولون: شاء أشياء فلم يفعل، فهو يقول: (يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).
وقوله: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)
اختلفوا في تأويله:
قَالَ بَعْضُهُمْ: نزل هذا في ستة نفر تبارزوا: ثلاثة من المسلمين: حمزة بن المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، وثلاثة من المشركين: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، فذلك اختصامهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أهل الإسلام وأهل الكتاب في الدِّين: قالت اليهود والنصارى: نحن أولى باللَّه منكم يا معشر المسلمين؛ لأن نبينا قبل نبيكم، وديننا قبل دينكم، وكتابنا قبل كتابكم. فقال المسلمون: بل نحن أولى باللَّه، آمنا بكتابنا وكتابكم، ونبيّنا ونبيكم، وبكل كتاب أنزله اللَّه، ثم كفرتم أنتم بنبينا، وكتابنا، وبكل نبي كان قبل نبيكم؛ فأنزل اللَّه تعالى ما فصل بين المؤمنين وأهل الكتاب فقال: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا) بمُحَمَّد وبالقرآن، وهم اليهود والنصارى، (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ. . .) إلى آخر ما ذكر، وقال في المؤمنين: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ. . .) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ): النار والجنة: قالت النار: جعلني اللَّه للعقوبة للعصاة والفسقة، وقالت الجنة: جعلني اللَّه للرحمة للأنبياء والأولياء، ونحوه. لكن متى يكون للنار مخاصمة، وكذلك الجنة، وهو بعيد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اختصم المسلم والكافر في البعث.