في تلك الظلمات؛ ليعلموا أنه لا يخفى عليه شيء.
أو يبين حكمته وتدبيره في خلق الإنسان من التراب ومن النطفة ما لو اجتمع جميع الحكماء من البشر والعلماء؛ ليعرفوا المعنى الذي به خلق الإنسان منه وصار به بشرًا ما قدروا عليه، ولا عرفوا السبب الذي به صار كذلك؛ ليعلموا أنه حكيم بذاته وعالم قادر بذاته، لا بتعليم غيره، ولا بإقدار غيره، فمن كان هذا سبيله لا يعجزه شيء؛ ينشئ الأشياء من الأشياء ولا من الأشياء على ما شاء وكيف شاء.
وقوله: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) أي: من يتوفى قبل أن يبلغ أشده، دليله قوله: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) أي: من قبل أن يبلغ ذلك المبلغ وهو الأشد، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي: إلى وقت ما يستقذر ويستخبث، ليس كالصغير؛ لأن الصغير والطفل مِمَّا يؤمل منه في العاقبة المنافع والزيادات، وهذا لا يرجى منه ولا يؤمل منه العاقبة، كلما مر عليه وقت كان أضعف في عقله ونفسه، ولا كذلك الصغير، وهو كما قال: (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً).
قَالَ الْقُتَبِيُّ: (أَرْذَلِ الْعُمُرِ): أي: الخرف والهرم.
وقوله: (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) أي: لكيلا يعلم من بعد ما كان يعلمه شيئًا.
ثم ذكر قدرته وسلطانه فقال: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً) قَالَ بَعْضُهُمْ: ميتة، وقيل: مشققة، وقيل: يابسة، وقيل: بالية.
وقوله: (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) قال الزجاج: (وَرَبَتْ): من الزيادة والنماء، وكذلك قال أَبُو عَوْسَجَةَ: يقال: ربا يربو، أي: زاد، وهو من الربا، وربا من الارتفاع، ربا يربو ربوة، كقوله: (وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ).
ثم أضاف الاهتزاز والزيادة إلى الأرض، وهي لا تهتز ولا تربو، إنما يربو ويهتز ما يخرج منها من النبات، لكن أضاف ذلك إليها لما بها كان اهتزاز ذلك النبات، وبها كان النماء؛ فاضيف إليها.
ْأو إن كان من الارتفاع والربوة، فهي ترتفع وتنتفخ وتهتز بالمطر.
وقوله: (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) قيل: البهيج: الحسن؛ يخبر في كل هذا قدرته وسلطانه: أن من قدر على إحياء الأرض بعد ما كانت يابسة ميتة، لقادر على إحياء