ويتمتعون، فيقول: ما أدري، لعل تخويفي إياكم لكم فتنة وعندنا: ألا يجب أن يفسر قوله: (فِتْنَةٌ لَكُمْ) أنه أي شيء أراد؟ وهم قد عرفوا أنه ما أراد به؟ وليس لنا أن نفسر ذلك: أنه أراد كذا إلا ببيان عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله: (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ (112) تعلق أكثر المعتزلة بظاهر هذه الآية في مسائل لهم؛ يقولون: يجوز أن يدعى بدعوات يعلم الداعي أنه قد أعطى ذلك له، من نحو سؤال المغفرة: ربِّ اغفر لي، وهو مغفور له، ورب أعطني كذا، وهو معطى له، ويقول: رب اغفر لي، وهو يعلم أنه لا يغفر له، ونحو هذا من المسائل لهم، فيحتجون بظاهر قوله: [(قُلْ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ)] أمر رسول اللَّه أن يدعو به على علم منه أنه لا يحكم إلا بالحق.
ونحن نقول: إنه لا يجوز أن يدعى بمثل هذا الدعاء على الإطلاق إلا على اعتقاد معنى آخر في ذلك كان اللَّه فعل ذلك؛ فيكون ذلك منه عدلا وحقا، نحو أن يكون قوله: (قُلْ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) أي: بالنصر له، والظفر على أعدائه، وله ألا ينصره، ويكون ذلك عدلا منه وحقا.
أو أن يكون المراد به: (احْكُمْ بِالْحَقِّ) أي: بالعذاب الذي هو حكمك على مكذبي الرسل، فأما أن يعتقد من قوله: (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) ما اعتقد المعتزلة فيحصل الدعاء به:
اللهم لا تَجُز ورب اعدل، ومن عرف ربه هكذا فهو ليس يعرف حقيقته.
وقال أبو عبيدة في قوله: (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ)، أي: رب احكم بحكمك وهو الحق، وهو محتمل مستقيم، وقد ذكرنا هذه المسألة وأمثالها فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) أمر رسوله أن يستعين باللَّه - تعالى - على ما يقولون من تكذيبهم إتاه فيما يدعو ويعد.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: (آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ) أي: أعلمتكم؛ فصرت أنا وأنتم على سواء، وإِنَّمَا يريد؛ بـ (آذَنْتُكُمْ): أخبرتكم وأعلمتكم ذلك؛ فاستوينا في العلم، وهو ما ذكرنا.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ)، أي: كلكم. واللَّه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وعليه التكلان.
* * *