كانت؛ ولذلك قالوا: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)، وقوله: (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ. . .) الآية، فذلك وجه الاستهزاءِ بهم، والمخادعة أَنه أَشركهم في أَحكام الدنيا وخالفهم في أَحكام الآخرة.

وعلى ذلك اشتراء الضلالة بالهدى، على معنى اختيارهم ما فيه الهلاك على ما فيه نجاتهم.

وعلى ذلك يخرج تأويل من صرف إلى أَهل الكتاب؛ لأنهم آمنوا بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ إذ آمنوا بكتبهم وقد كان فيها نعته الشريف، فلما وصلوا إلى منافع الإيمان بالبعث إليهم، وشاهدوا كفروا به؛ فعوقبوا بحرمان منافع كتبهم، وإيمانهم عند معاينة الجزاء كما ردوا إيمانهم به عند المشاهدة، واللَّه أعلم.

ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - أنه ضم تأويل هذه الآية والتي تتلوها من قوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ) إلى قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) وذلك - واللَّه أعلم - أنهم قوم لا يعرفون اللَّه حق المعرفة؛ فيعبدونه بحق الربوبية له قبلهم، ولا يؤمنون بالآخرة؛ فيكون عملهم للعواقب، ولا يعرفون غير الدنيا ومنافعها، فجعلوا دينهم وعبادتهم ثمنًا لها.

فإذا رأوا في دين الإسلام الغنائم والسلوة، رأَوا تجارتهم مربحة فاطمأنوا بها، واجتهدوا بالسعي فيها.

وإذا أَصابتهم الشدة والبلايا رأَوا تجارتهم مخسرة فصرفوا إلى غير ذلك الدِّين؛ فمثلهم مثل المستوقد نارا؛ إنه يجتهد في الإيقاد ما دام يطمع في نور النار، ومنافع حرها لمصالح الأَطعمة، فإذا ذهب نور بصره أبغض النار بما يخشى من الاحتراق بالدنو منها، وبما يذهب من منافع خفية إن لم يكن كاستوقد، كالمنافق فيما استقبله المكروه في الإسلام تمنى أن لم يكن أسلم قط.

وذلك قوله: (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ).

وقوله: (لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا).

وقوله: (قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ).

وقوله: (أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا).

وكذلك البرق الذي يضيء يمشي المرء في ضوئه، وكذلك المنافق، إذا رأَي خيرًا في الإسلام مشى إليه، وإذا أظلم عليه قام متحيزا حزينًا؛ أَلا يكون اختار السلوك، والله الموفق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015