وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا ... (58)
و (جِذَاذًا): قَالَ بَعْضُهُمْ: قطعًا.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: جذاذا: فتاتا، وكل شيء كسرته فقد جذذته؛ ومنه قيل للسويق:
جذيذ، والجد: هو القطع، والمجذوذ: المقطوع، وذلك قوله: (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي: غير مقطوع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ) لم يكسره (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ).
يقول: إلى الصنم الأكبر الذي لم يكسره إبراهيم يرجعون من عيدهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لعلهم إلى الحجة يرجعون، وقيل: هو أحج القولين، أي: من الحجة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)، أي: يتذكرون.
وجائز أن يكون قوله: (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)، أي: يرجعون إلى ما يريد أن يكيد لهم في أصنامهم؛ لأنه إنما يريد أن يكيد لهم إذا رجعوا إلى الأصنام فرأوها مجذوذة، والكيد: هو الأخذ على الأمن وكذلك المكر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
لو تأملوا كانوا هم الظلمة في الحقيقة؛ لأنهم كانوا يعبدون تلك الأصنام رجاء منفعة تكون لهم حيث قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، و (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، فإذا رأوهم لا يقدرون على دفع الكسر والقطع عن أنفسهم ودفع من فعل بهم ذلك، كيف طمعوا منها نفعًا أو دفع الضر عن أنفسهم؛ لأن من عجز عن دفع الضر عن نفسه فهو عن دفعه عن غيره أعجز، فهم الظلمة في الحقيقة؛ حيث طمعوا النفع ودفع الضر ممن لا يملك ذلك لنفسه، لكن قالوا ذلك سفها منهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ... (60) بالكيد لهم حين قال: (لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ)، سمع ذلك القول منه ناس، فأخبروا قومهم لما قالوا: (مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا) فعند ذلك قالوا: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) بالكيد لهم (يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ).
وجائز أن يكون قوله: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ): بالعداوة، وهو حين قال: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ)، أخبر أن أُولَئِكَ الذين عبدوا الأصنام أعداء له، فالمعبود الذي عبدوه يكون عدوا له أيضًا، فاستدلوا بذلك القول منه أنه هو فعل بهم ما