الَّذِينَ آمَنُوا. . .) الآية.
وقيل: إنها نزلت في اليهود؛ لأنه سبق ذكر اليهود، وهو قوله:). . . أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. . .) الآية.
ويحتمل: نزولها في الفريقين جميعًا.
ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - أنه قال: " إن هذا من المكتوم " فلا يحتمل ما قال؛ لأنه مَثَل ضربه اللَّه، والأَمثال إنما تضرب لتُفْهم وتقرب إلى الفهم ما بعُد منه؛ فلو حمل على ما قال لم يفهم مراده وما قرب إلى الفهم شيئًا، إلا أن يريد من المكتوم: أنه لم يعلم فيمن نزل، فهو محتمل، واللَّه أعلم.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (مَثَلُهُم كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا. . .) الآية.
يحتمل: أن يكون الإضافة إلى من ذكر من المنافقين بقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ. . .) الآية، وقوله: (وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوَا آمَنَّا. . .) الآية. وذلك يخرج على وجوه: أَحدها: أَنهم قصدوا قصد المخادعة بأَولياءِ اللَّه والاستهزاءِ بهم؛ ففضحهم اللَّه بذلك في الدنيا والآخرة.
فأَما في الدنيا فبما هتك سترهم، وأطْلَعَ على ذلك أَولياءَه؛ فعادت إليهم المخادعة، وعوقبوا بما أطلع على ضميرهم، وبما أَرادوا ذلك الأَمن، فأَعقبهم اللَّه خوفًا دائمًا كما وصفهم اللَّه (ويَخشَوْنَ النَّاسَ. . .) الآية. وقال: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).
وقال: (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)، وقال: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ. . .) الآية، وقال: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ. . .) الآية.
أو أن يكونوا طلبوا -بإظهار الموافقة في الدِّين- الشرف فيهم والعز، وكذلك عند الكفرة مما أظهروا أَنهم يخادعون بذلك المؤمنين، ويستهزئون بهم؛ فعلموا أَنهم كذلك يظهرون للمؤمنين حالهم معهم، فَطُرِدوا من بينهم فقال اللَّه: (مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ)، وقال. (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ. . .) الآية، فزال عنهم ما التمسوا من الشرف والعز، وأَبدل لهم به الهوان والذل.
فمثلهم في ذلك مثلُ مستوقِد نارٍ ليستضيء بضوئها، وينتفع بِحرها، فأَذهب اللَّه ضوءه