موضع الاحتجاج عليهم، وهو ما أخبر عن عجزهم حيث قال: (لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي: لا يستطيع الآلهة نصر أنفسها إذا أرادوا بها سوءًا، (وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي: ينصرون، تأويله: أن كيف عبدتم من دونه واتخذتموهم آلهة رجاء شفاعتهم ووسيلتهم حيث قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، ونحوه، وفي قولهم: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، فإذا كانوا لا يملكون نصر أنفسهم إن أصابها سوء ولا يصحبها من يدفع عنها السوء، فكيف اتخذتم آلهة دونه، فمن كان عن دفع السوء عن نفسه ونصرها عاجزا، فهو عن دفعه عن الآخر ونصره أعجز.
ثم بين الذي حملهم على ذلك وهو ما قال: (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ (44) ولم يأخذهم بالعقوبة بأعمالهم التي عملوها فظنوا أن اللَّه راضٍ عنهم وأنهم على الحق؛ ولهذا قالوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا)، ادعوا رضاء اللَّه بما هم عليه وآباؤهم.
ثم بين أنه وإن تركهم وقتًا طويلا ومتعهم عليه أنه قد نقص عما كانوا يملكون هم؛ حيث غلب عليهم رسول اللَّه على بعض أملاكهم وجعله ملكا للمسلمين وهو قوله: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)، وجعلناها ملكا للمسلمين.
ثم اختلف في تأويل هذا؛ قال الحسن: قوله: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) أي: اعكموا أنا ناتي الأرض ننقصها من أطرافها، أي: نحشرهم يوم القيامة من أطراف الأرض إلى المحشر، فذلك نقصها.
وقال غيره: أفلا يرون أن رسول اللَّه كلما بعث إلى أرض ظهر عليها، قال: ننقصها بالظهور عليها أرضًا فأرضًا، (أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ)، أي: ليسوا هم الغالبين، ولكن رسول اللَّه هو الغالب عليهم.
وقال ابن عَبَّاسٍ: ننقصها: ذهاب فقهائها وخيار أهلها.
وقال قتادة: ننقصها بالحرث، وكذلك قال عكرمة: ننقصها من أطرافها بالموت، وقال: لو كانت الأرض تنقص لم يوجد للرجل مجلس يجلس فيه، ونحو هذا قد قالوا فيه.