غير أن هذه في المنافقين والأُولى في الكفرة.
وهى تنقض على المعتزلة قولهم؛ لأَنهم يقولون: إن اللَّه لا يقدر أَن يستنقذهم في حال الاختيار، وإنما يقدر الاستنقاذ منهم في حال الاضطرار، فأخبر عَزَّ وَجَلَّ: أَنه يستنقذهم على فعل الطغيان.
وقوله: (وَيَمُدُّهُمْ) أي: يخلق فعل الطغيان فيهم.
ويحتمل: أن يخذلهم ويتركهم لما اختاروا من الطغيان إلى آخر عمرهم.
ويحتمل: أنه لم يهدهم ولم يوفقهم.
وفي هذا إضافة المد إلى اللَّه. وإضافة المد على الطغيان لا يضاف إليه إلا لمدح، والمدح يكون بالأَوجه الثلاثة التي بينا، وفي هذا أَنه إذا كان هو الذي يمُدهم في الطغيان قدر على ضده من فعل الإيمان؛ فدل أَن اللَّه خالق فعل العباد؛ إذ من قولهم: إن القدرة التامة هي التي إذا قدر على شيء قدر على ضده.
والعَمَهُ: الحيرة في اللغة.
قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى (16)
أي: اختاروا الضلالة على المدعو إليه -وهو الهدى- من غير أَن كان عندهم الهدى، فتركوه بالضلالة.
وهو كقوله: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) من غير أن كانوا فيه، فكذلك الأَول، تركوا الهدى بالضلالة ابتداء.
وقيل: الضلالة: الهلاك؛ أي: اختاروا ما به يهلكون على ما به نجاتهم، وإن كانوا لا يقصدون شراء الهلاك بما به النجاة؛ كقولهم: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) لا يقدر أحد أن يصبر على النار، ولكن فما أصبرهم على عمل يستوجبون به النار.
وكذلك قوله: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)، أي: بئسما اختاروا ما به هلاك أَنفسهم على ما به نجاتهم.
وفي هذه الآية دلالة جواز البيع بغير لفظة البيع؛ لأَنهم ما كانوا يتلفظون باسم البيع، ولكن كانوا يتركون الهدى بالضلالة.
وكل من ترك لآخر شيئًا له ببذل يأخذه منه فهو بيع وإن لم يتكلموا بكلام البيع.
وكذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. . .) الآية. وهو على بذل الأَموال والأَنفس له بالموعود الذي وعد لهم، وهو الجنة.