وقال أبو عبيدة: (يَرْكُضُونَ) يعدون، وقوله: (لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ)، ليس على الأمر، ولكن أي: لو رجعتم إلى ما أترفتم فيه، وكذلك (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا. .)، كذا، ليس على الأمر، ولكن لو سرتم فانظروا كذا؛ فعلى ذلك قوله: (وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ)، أي: لو رجعتم لعلكم تسألون كما كنتم تسألون من قبل، فيخرج ذلك مخرج الاستهزاء جزاء لصنيعهم، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14)
يقرون يومئذ بالظلم، لكن لا ينفعهم ذلك ويندمون على سوء صنيعهم، فيطلبون العودة إلى دنياهم؛ كقوله: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ... (15)
أي: ما زالت تلك، أي قولهم: (يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) دعواهم، (حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ)، فإن كان هذا القول منهم في الدنيا فيكون قوله: (حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) بالقتل بالسيف والإهلاك.
وإن كان ذلك في الآخرة فيكون قوله: (حَصِيدًا خَامِدِينَ) في النار في الآخرة، والله أعلم.
و (حَصِيدًا)، أي: هالكًا وهو محصود، و (خَامِدِينَ): كما يقال: خمدت النار: إذا طفيت.
* * *
قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ).
أخبر أنه لم يخلق السماء والأرض وما بينهما لتكونا سماء وأرضًا على ما هما عليه ثم تفنيان، ولكن خلقهما لعاقبة قصدها، وهو أن يمتحن أهلها؛ لأن من عمل في الشاهد عملا لا يقصد به عاقبة يأمل ويرجو أمرًا فهو في عمله عابث لاهٍ؛ ولو كان على ما عند أُولَئِكَ الكفرة بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء ولا ثواب لكان إنشاؤهما وما بينهما باطلا