عن أن يعرف غيرها من الكتب التي كانت على غير لسانه، ثم أخبر عن الأنباء التي كانت في الكتب المتقدمة على ما كانت فيها؛ دل أنه إنما عرف تلك الأنباء والقصص التي كانت في كتبهم باللَّه تعالى، فهذا - واللَّه أعلم - تأويل قوله: (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى) أي: قد أتاهم على ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) أي: من قبل رسوله، (لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ)، من الناس من يقول: ليس لله أن يعذبهم تعذيب إهلاك قبل أن يبعث رسولا، ويحتج بظاهر هذه الآية: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا).
وعندنا: له أن يهلكهم بعذاب قبل بعث الرسول إليهم؛ لأنه تعالى قد أقام عليهم حجة العقل ما لو تأملوا أو نظروا فيه، لعرفوا وأدركوا حق اللَّه عليهم، فإذا كان كذلك فكان إهلاكه إياهم إهلاكًا عن بينة وحجة، لكنه بفضله ورحمته لا يهلكهم بأول آية يرسل عليهم حتى يرسل الآيات؛ إفضالا منه ومنة، وإلا كان له إهلاكهم بآية واحدة؛ فيكون قوله: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا. . .) كذا، إنما ذلك لقطع ذلك القول منهم، لا أن كان لهم ذلك القول والاحتجاج بذلك؛ ولأن قوله: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا. . .) كذا يخرج مخرج الامتنان به أنه لم يهلكهم قبل بعث الرسول؛ فدل أن له إهلاكهم قبل بعث الرسول؛ لما ذكرنا من إقامة حجة العقل عليهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) كانوا يتربصون هلاك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وانقلاب أمره، ورسول اللَّه يتربص بهم عذاب اللَّه ومواعيده فيهم.
قال الحسن: (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا)، أي: تربصوا أنتم مواعيد الشيطان، ونحن نتربص مواعيد اللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى).
قوله: (فَسَتَعْلَمُونَ) في الآخرة علم عيان (مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) نحن أو أنتم، وفي الدنيا لو تأملوا ونظروا، لعلموا علم استدلال وإدراك من أصحاب الصراط السوي؟
قَالَ بَعْضُهُمْ: (الصِّرَاطِ السَّوِيِّ): العدل.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: السوي: القيم.
وفي حرف ابن مسعود وأُبي (وَمَنِ اهْتَدَى ومن على الهدى)