وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ):
قال أهل التأويل: صل بأمر ربك، وتأويل قولهم هذا صل بأمر ربك؛ لأنه أمره أن يصلي لله بقوله: (أَقِمِ الصَّلَاةَ)، وقوله: (أَقِيمُوا الصَّلَاةَ)، فيكون قوله: (وَسَبِّحْ) أي: صلِّ بأمر ربك الذي أمرك بقوله: (أَقِمِ الصَّلَاةَ)، ولولا صرف أهل التأويل التسبيح في هذه الآية إلى الصلاة وإلا يجوز أن يصرف إلى غيرها من الأذكار في كل وقت، لكن صرفوا إلى الصلاة؛ لأن الصلاة تشتمل على معان: قولا وفعلا، وسائر الأذكار لا تشتمل إلا معنى الذكر قولا، فهي أجمع وأشمل لذكره، واللَّه أعلم.
ثم قوله: (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ): قبل صلاة الفجر، (وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) وصلاة العصر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) الظهر والعصر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ) قيل: صلاة المغرب والعشاء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَطْرَافَ النَّهَارِ)؛ قيل: صلاة الفجر والعصر؛ فهو على التكرار والإعادة تأكيدًا؛ كقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)، ذكر الصلوات بجملتها، ثم خص الصلاة الوسطى، بالذكر لمعنى؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: (وَأَطْرَافَ النَّهَارِ) تكرارا منه لصلاة الفجر والعصر لمعنى.
وجائز أن يكون قوله: (وَأَطْرَافَ النَّهَارِ) أنه ليس على إرادة وقت دون وقت، ولكن يريد به الأوقات كلها، وعلى ذلك يخرج قول من قال في قوله: (وَقَبْلَ غُرُوبِهَا): صلاة الظهر والعصر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَعَلَّكَ تَرْضَى) بالنصب والرفع جميعًا، أي: يرضيك ربك بما عملت أو يرضى بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
هذه الآية تحتمل وجهين:
أحدهما: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي: لا ترغبن في هذه الدنيا، ولا تركنن إلى ما متع به هَؤُلَاءِ من ألوانها وزهرتها، وهو كقوله تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ. . .) الآية.
والثاني: قوله: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) على حقيقة مد البصر، أي: لا تمدن بصرك إلى أعين الدنيا وإلى ظاهر ما هم عليه من الغرور والتزيين، ولكن انظر إلى الدنيا إلى ما