والثاني: لعلهم يتقون، أي: ألزمهم أن يتقوا بما صرف من الوعيد.
وإن كان على الوعد والإيجاب منه فهو لمن علم أنهم يتقون.
وإن كان على الإلزام - أي: ألزمهم - فهو في الكل.
ثم إن كان على الوعد فيخرج قوله: (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)، فيكون كقوله: (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، إذا تذكر خشي، وإذا خشي تذكر؛ فعلى ذلك إذا اتقى فقد أحدث له الذكر، وإذا أحدث له الذكر اتقى، وإن كان ألزمهم أن يتقوا فهو على أو ثم.
ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: (ذِكْرًا)، أي: عذابًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
مثل هذا إنما يذكر على نوازل كانت إما قولا أو فعلا، يقال: فتعالى اللَّه عن ذلك، لكن لم يذكر النوازل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).
يحتمل ما قاله أهل التأويل أن جبريل كان إذا أتاه بالسورة وبالآي فيتلوها عليه، فلا يفرغ جبريل من التلاوة حتى يتكلم رسول اللَّه بأولها؛ مخافة أن ينساها؛ فأنزل اللَّه: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) فتمْرأه من قبل أن يفرغ من تلاوته عليك، وقد أمنه عن النسيان بقوله: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى. . .) الآية، وكذلك: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) الآية. ثم أمره عَزَّ وَجَلَّ أن يسأله أن يزيد له علما.
ويحتمل أن يكون قوله: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).
أي: لا تعجل بما ذكر من الوعيد لهم في القرآن من قبل أن يأتي وقته؛ كقوله: (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا).
وقوله: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) جائز ما قال أهل التأويل: إنه كان يتلو مع تلاوة جبريل، فقال له: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)، إن ثبت عنه أنه كان يتلو مع تلاوة جبريل.
وجائز النهي من غير أن كان منه ما ذكر - واللَّه أعلم - على ما نهى عن أشياء من غير أن كان منه ذلك.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ