بالشفاعة؛ كقوله: (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ)، يقول: الشفاعة أنه لا أحد يتكلم يومئذ إلا بإذنه فضلا، وقال: صوابا.
والثاني: لا تنفع الشفاعة إلا من وفق له بما يستوجب الشفاعة له ورضي له قولا وسأله ذلك، وهو قول الشهادة والتوحيد.
فيرجع أحد التأويلين إلى الشفعاء: أنه لا أحد يشفع لأحد إلا بإذنه ورضاه بالقول: قول الشفاعة، والثاني: يرجع إلى المشفوع له: أنه لا أحد يستوجب شفاعة إلا من وفق له الرحمن في الدنيا بالتوحيد وشهادة الإخلاص، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
يحتمل قوله: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قبل أن يخلقوا، (وَمَا خَلْفَهُمْ) بعد ما خلقوا وكانوا.
أو أن يكون قوله: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ): ما قدموا من الأعمال، (وَمَا خَلْفَهُمْ): من بعدهم.
أو أن يكون قوله: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) كناية عن الخيرات، أي: لا يعلم ما يعملون من الخيرات، (وَمَا خَلْفَهُمْ) من الشرور، وما نبذوا وراء ظهورهم.
وجائز أن يكون المراد من البين والخلف: الأحوال كلها، أي: عالم بجميع أحوالهم وبكل شيء يكون منهم، وهو كقوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، أي: لا يأتيه الباطل ألبتَّة؛ لأنه ليس للقرآن بين ولا خلف، ولكن المراد ما ذكرنا، فعلى ذلك الأول.
وجائز أن يكون المراد منه: ليس البين ولا الخلف، ولكن إخبار عن إحاطة علمه بهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا).
هذا يحتمل وجهين:
لا يحيطون باللَّه علما، ولكن إنما يعرفونه على ما تشهد لهم الشواهد من خلقه؛ لأن الخلق إنما يعرفون ربهم من جهة ما يشهد ويدل لهم من الدلالات من خلقه، والإحاطة بالشيء إنما تكون فيما كان سبيل معرفته الحس والمشاهدات، فأما ما كان سبيل معرفته الاستدلال فإنه لا يحاط به العلم.
والثاني: لا يحيطون به علما، أي: بعلمه؛ كقوله: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)؛ وكقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى