وقوله: (وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ).
الأول: أي: لا يشعرون أَن حاصل ذلك لا يرجع إليهم.
والثاني: لا يشعرون أن ما كانوا يفعلون الفسادُ.
فإن كان هذا فهو ينقض قول من يقول: بأن الحجة لا تلزم إلا بالمعرفة، وهو قول الناس؛ لأنه عَزَّ وَجَلَّ أَخبر بفساد صنيعهم، وإن لم يشعروا به.
وهو كقوله أَيضًا: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) أخبر بحبط الأعمال وإن كانوا لا يعلمون.
وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ (13)
تحتمل الآية: أَن تكون في المنافقين، وتحتمل: في أَهل الكتاب.
فإن كانت في المنافقين فكأَن قوله: آمنوا يا أَهل النفاق في السر والعلانية، كما اّمن أَصحاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في السر والعلانية جميعًا، وهو كقوله: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا).
وإن كان في أَهل الكتاب ففيه الأَمر بالإيمان الذي هو إيمان، وهو التصديق. والإيمان عندنا هو التصديق بالقلب؛ دليله قول جميع أَهل التأْويل والأَدب أنهم فسروا (آمَنُوا): صدقوا في جميع القرآن.
وقوله: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ) الآية.
السفه: هو ضد الحكمة، وهو العمل بالجهل على العلم أَنه يبطل، والجهلُ هو ضد العلم. والسفهُ هو الشتم؛ يقول الرجل لآخر: يا سفيه.
وقوله: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ).
يقول بعض المتكلمين: إن هذا شتم من اللَّه لهم، جوابًا على المؤمنين، ويستجيزون ذلك على الجواب، وإن لم يجز على الابتداءِ، كالمكر، والكيد، والاستهزاءِ، والخداع ونحوه، فعلى ذلك هذا.
وأما عندنا فهو غير جائِز؛ لأَن من يشتم آخر يذم عليه، وهو عمل السفهاء. فأَخبر عز وجل: أَنهم هم الذين يعملون بالجهل على علمهم أَن دينهم الذي يدينون به باطل، وأَن الدِّين الذي يدين به المؤمنون حق.
وقوله: (وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ).
قيل فيه بوجهين:
أحدهما: لا يعلمون أنهم هم السفهاء.