وفي الآية دلالة أن لا قصاص يجب في شبه العمد وإن كان الضرب بشيء لا نجاة فيه؛ لأن موسى - صلوات اللَّه عليه - كانت له قوة أربعين نفرًا على ما ذكر، فإنما لطمه لطمة، فقضى عليه، ثم قال: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، هذا يدل أنه كان لا يحل له قتله، ثم قال: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سماهم: ظلمة، فلو كان يحل القتل ويجب القصاص، لكان لا يسميهم ظلمة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: (فُتُونًا): هو جمع فتنة، أي: فتناك فتونا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فُتُونًا):، هو مصدر الفتنة، أي: ابتليناك ابتلاء، أي: بلاء، والفتنة في البلايا والشدائد: الغموم التي ذكر أنه نجاه منها.
ويحتمل: النعم والخيرات؛ إذ لم يكن الأنبياء في جميع الأوقات في البلاء، ولكن كانوا في وقت في بلاء وشدة، وفي وقت آخر في نعمة وخير.
أو فتنه بهما جميعًا، على ما أخبر: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ).
هذا - واللَّه أعلم - من المنة التي ذكر، حيث قال: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى).
قَالَ بَعْضُهُمْ: بالنبوة والرسالة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: على موعود، أو على قدر وقت المجيء، فكيفما كان ففيه أن مجيء العبد وذهابه وجميع سعيه يكون بقدر من اللَّه، وتقدير منه، وفيه أنه يجعل الأمور بأسباب، وإن كان يجعل أبعضها، بغير أسباب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) أي: اخترتك، واصطفيتك لرسالتي ونبوتي، فذكر نفسه؛ لأنه بأمره يقوم بأداء ذلك.
* * *
قوله تعالى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا