العذاب والعقوبة، فأما من لا عقوبة عليه مغفور الذنب فإنه لا معنى لها ولا فائدة، فهو يرد على المعتزلة مذهبهم: أن صاحب الكبيرة لا يغفر له، وصاحب الصغيرة مغفور له، فالشفاعة التي ذكر لا تخلو إما أن تكون لأهل الكبائر فيغفر لهم بالشفاعة، فيبطل قولهم، أو لأهل الصغائر وتعذيبهم، فكيفما كان فهو يرد قولهم؛ إذ لا معنى لذكر الشفاعة في المغفورين.
وقالوا: إن الشفاعة في الشاهد أن يذكر نجابة الإنسان عند آخر ليعرف محاسنه ومناقبه ليكون له منزلة وقدر عنده، لكن مثل هذا يجوز ممن يجهل ذلك ولا يعرف بنفسه، فأما اللَّه - سبحانه وتعالى - هو عالم بذاته، يعلم حال كل أحد، فلا يحتمل ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: شهادة أن لا إله إلا اللَّه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: العمل الصالح.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الصلاة على ما ذكرنا، وأصل العهد هو أن يشترط شروط الوفاء حتى يفي بما شرط عليه وهو الوفاء بما أمر به ونهى عنه، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا): قَالَ بَعْضُهُمْ: الآية في مشركي العرب؛ لأنهم هم الذين قالوا: الملائكة بنات اللَّه، لكن أهل التأويل قالوا أيضًا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ)، فهو في كل من قال ذلك.
ثم قوله: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) يخرج على الإضمار حين أخبر عنهم أنهم (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) أن قل لهم يا مُحَمَّد: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا) أي: عظيمًا منكرًا.
أو أن يكونوا لما قالوا ذلك أقبل عليهم فقال لهم: لقد جئتم شيئًا عظيمًا منكرًا، واللَّه أعلم.