وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (أَرْسَلْنَا): أي: سلَّطنا عليهم، كقوله: (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ): أي: قيضناهم بهم، كقوله: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا)، فهما في الحقيقة واحد؛ لأنه إذا أرسلهم اتصلوا بهم، فإذا اتصلوا بهم قيضوا وقرنوا بعضهم ببعض.
وقال الحسن، وأبو بكر الأصم، وغيرهما: (أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ): أي: خلينا بينهم وبينهم، ولم نمنعهم منهم على ما ذكر.
لكن لو كان تأويل الإرسال التخلية وتأويل القيض كذلك، لم يكن لتخصيص الكفار بذلك معنى؛ إذ قد كان ذلك القدر من التخلية بينهم وبين المسلمين.
وإن كان تأويل التخلية: أنه لم يمنعهم عنهم، وخلى بينهم - فدل تخصيص الكفار بهذا وأمثاله على أن ليس هو التخلية لا غير، وأن تخصيص هَؤُلَاءِ بهذا وأمثاله من قوله: (طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ)، (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً)، ونحوه، وإن كان هنالك من اللَّه معنى في الكفار ليس ذلك في المؤمنين، وفي المؤمنين معنى ليس ذلك في الكافرين، وهو - واللَّه أعلم - إذا علم في المؤمنين الرغبة والإجابة، وفقهم على ذلك وهداهم، وإذا علم من الكفار خلاف ذلك وضده خذلهم وأضلهم، فذلك تخصيصه إياهم بما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا):
قَالَ بَعْضُهُمْ: تزعجهم إزعاجًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تُشْلِيهِمْ إِشْلَاءً، وتغريهم إغراء.
وقال الحسن: تحركهم تحريكًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تقدمهم إقدامًا إلى الشر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: توقعهم إيقاعًا، ونحوه، وكله واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ... (84) أي: لا تكافئهم على أذاهم إياك، ولا