(36)

(37)

فمن له من سرعة نفاذ الأمر ما ذكر، لا تقع له الحاجة إلى الولد في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوا كبيرًا.

ثم قول أهل التأويل: إنه نفخ في جيب مريم، أو في أنفها، أو في غيره، وغير ذلك من القصص التي ذكروها مما ليس في الكتاب ذكرها - فلا يجوز أن يقال ذلك إلا بخبر عن اللَّه تعالى، أو عمن أوحى إليه، فإنه لم يعلم صدقه ولا نبوته، فنذكر مقدار ما في الكتاب لا يزاد على ذلك ولا ينقص؛ لأن هذه الأنباء لما ذكرت لرسول اللَّه لتكون آية لرسالته ونبوته؛ لأنها كانت مذكورة في الكتب المتقدمة، وكان هنالك من يعرفها، فذكرت له هذه الأنباء على ما كانت في كتبهم؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك باللَّه، فلو زيد فيه أو نقص لكانت غير دالة لهم على ذلك.

قَالَ الْقُتَبِيُّ: الصوم: الإمساك؛ صومًا: أي: صمتًا، فريا: أي: عظيمًا عجبًا، والبغي: يقال: امرأة بغي ونسوة بغايا، أي: فاجرات، وكذلك قال أَبُو عَوْسَجَةَ.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)

إنهم كانوا يعرفون أن اللَّه هو ربهم حيث قالوا: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) ونحوه، فكأن عيسى قال لهم: ارجعوا إلى عبادة الذي تعرفون أنه ربّي وربكم، واتركوا العبادة لمن تعرفون أنه ليس بربّكم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: اختلف الذين تحزبوا في عيسى في حياته، منهم من قال: هو ساحر.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو كاهن.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: كذا من هذا النحو.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: اختلف الذين تحزبوا في عيسى بعد ما رفع من بينهم:

فمنهم من قال: هو اللَّه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو ابن اللَّه، وقَالَ بَعْضُهُمْ: ثالث ثلاثة، وأمثال ما قالوا على علم منهم أنه لم يكن على ما وصفوه وقالوا فيه، لكنهم عاندوا وكابروا.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ): الذين تحزبوا واختلفوا في رسول اللَّه لما بعث، فمنهم من قال: إنه ساحر، وإنه كاهن ومجنون، وإنه مفترٍ، وإنه كذاب، ونحو ما قالوا فيه على علم منهم أن ما يقول هو يوافق كتبهم، وأن كتابه مصدق لكتبهم، وأنه يؤمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015