وقال أهل التأويل: (وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) أي: حيضة ملقاة، وكذلك قال أَبُو عَوْسَجَةَ: النسي: الحيض.
قال أبو بكر الأصم: لا يحتمل هذا؛ لأنها قد عرفت قدرها عند اللَّه، فلا يحتمل أن تتمنى ما ذكر، لكن الإنسان ربما يتمنى الأمر العظيم إذا اشتد به الأمر، نحو ما يتمنى الموت في بعض الوقت لعظم ما يحل به، فعلى ذلك غير منكر هذا من مريم أن تتمنى ما ذكر أهل التأويل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ... (24) و [(مَنْ تَحْتَهَا)] اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: ناداها ملك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ناداها ابنها عيسى.
قال أبو بكر الأصم: لا يحتمل أن يكون الذي ناداها ملكًا؛ لأنه قال: (مِنْ تَحْتِهَا)، ولو كان ملكًا لناداها من فوقها، لكن هذا ليس بشيء؛ لأن الملك إنما ينادي من حيث يؤمر، من تحت ومن فوق.
وقال بعض أهل التأويل: ناداها جبريل من تحت الوادي: (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا).
والأشبه أن يكون ابنها عيسى؛ لأنها كانت تحزن أن تشتم وتقذف به، فعيسى إذا تكلم وصار بذلك المحل تسر هي بذلك، لما تعلم أنه ينفي عنها بعض ما طعنت به وقذفت.
ويحتمل حزنها من وجه آخر: وهو أنها كانت حزنت خوفًا على نفسها وعلى ولدها؛ لأنها أقامت في مكان لا ماء فيه ولا طعام، فخافت على نفسها وولدها الهلاك، فحزنت لذلك فبشرت حيث قال لها: (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا): أمَّنها عن الخوف الذي كان.
ثم السري: قَالَ بَعْضُهُمْ من أهل التأويل: هو الجدول، وهو النهر الصغير.