(84)

لنا على رسول اللَّه: لندخلن عليه؛ فانصرفت إليه فأخبرته بمكانهم؛ فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا لي وَلَهُم يَسألُونَ عما لا أعلمُ، إنما أنا عبد لا علم لي إلا ما علمني ربي "، ثم قال: " أَبغني وضوءًا أتوضأ به "، فتوضأ، ثم قام إلى مسجد في بيته، فركع فيه ركعتين، فما انصرف حتى بدا لي الشرور في وجهه، ثم قال لي: " اذهب فأدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي "، فأدخلهم فلما رآهم النبي قال لهم: " إن شئتم أخبرتكم كما تجدونه في كتابكم "؛ فهذا إن ثبت يدل أنه نزل عليه نبأ ذي القرنين وخبره قبل أن يسأل.

وأما أهل التأويل قالوا جميعًا: إنه سئل قبل أن ينزل عليه خبره، ثم نزل من بعد السؤال، واللَّه أعلم.

ثم اختلف فيه:

قال الحسن: كان نبيَّا، دليله: ما قال: (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)؛ قال: هذا تحكيم من اللَّه إياه فيما ذكر، ولا يولي الحكم إلا من كان نبيًّا.

وأما علي بن أبي طالب فإنه سُئل عن ذلك: كان نبيا أو ملكًا؟ فقال: لا واحد منهما.

وقال غير هَؤُلَاءِ: إنه كان ملكا؛ يدل على ذلك الخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني: أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سئل عن خبره وبنائه، قال: فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " كان غلامًا من الروم أعطي ملكا فسار حتى بلغ كذا. . . "، على ما ذكر في الخبر، والأشبه أن يكون أنه كان ملكا؛ ألا ترى أنه قال: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)

أي: ملكنا له الأرض له جملة، ذكر تمكين الأرض له جملة يصنع فيها ما يشاء، لم يخص له ناحية منها دون ناحية، وليس كقوله: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا. . .) الآية. وكقوله: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ): هاهنا خص مكانا لهم دون مكان، وأما في ذي القرنين ذكر التمكين له في الأرض، لم يخص ناحية منها دون ناحية؛ فهو أن ملكه ومكنه الأرض كلها.

وقول الحسن: إنه حكمه وولى له الحكم - فهذا لا يدل أنه كان نبيًّا؛ لأن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو في ذلك الزمان؛ ألا ترى إلى قوله: (ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ): أن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو والقتال في ذلك مع العدو فعلى ذلك هنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015