اختلف في سن ذلك الغلام:
قَالَ بَعْضُهُمْ: كان ذلك الغلام كبيرًا بالغًا، والعرب قد تسمي الرجل البالغ الذي لم يلتح بعد - أولم تستو لحيته - غلامًا؛ لقربه بوقت البلوغ، ولذلك قال له موسى: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ)، والصغير مما لا يقتل إذا قتل نفسا بغير حق؛ فلو كان صغيرًا لم يكن لقول موسى: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) معنى، وهو كما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: " إنَّ أَيْمَانَكُم تحقنُ دِماءكم " إذا ظهر منهم الدَّم وكقوله: " لولا الأَيْمَانُ لَكَان لي وَلَهَا شَأنٌ " إذا ظهر منها الزنا، فعلى ذلك قوله: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ): لو كانت محتملة القتل بالنفس، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في سبب قتل ذلك الغلام:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قتله؛ لكفره، كان كافرا، وكذلك في حرف أبي بن كعب: (وأمَّا الغلام فكان كافرًا)؛ ألا ترى أنه قال: (فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا): دل هذا أته كان بالغًا كافرًا؛ إذ لو لم يكن كافرًا لم يلحق والديه منه الطغيان والكفر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنما قتله؛ لأنه كان لصًّا قاطع طريق؛ يقطع الطريق على الناس ويأخذ أموالهم.
وعلى قول من يقول: إنه كان صغيرًا، قتله؛ لأنه علم أنه لو بلغ كان كافرًا، واللَّه أعلم بذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك السبب الذي قتله - حاجة، ولا أنه كان صغيرا أو كبيرا؛ لأنه أخبر أنه إنما قتله بأمر اللَّه لا من تلقاء نفسه؛ حيث قال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)، ولكن إنما فعلته بأمر اللَّه، ولله أن يأمر عبدًا من عباده بقتل الصغير على ما له أن يميته وعلى ما يأمر ملك الموت بقبض أرواح الخلق؛ فعلى ذلك له أن يميته على يدي آخر، وأن يقبض روحه؛ إذ له الخلق والأمر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا).
ليس هو الخوف، ولكن العلم، أي: علمنا أنه يرهقهما طغيانًا وكفرا، وكذلك ذكر في