مثلها؛ فأعجبه ذلك، فوقع عنده أن ليس أحد أعلم منه؛ فأخبر أن في مجمع البحرين رجلا أعلم منك؛ فأمر بالمصير إليه والتعلم منه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، ولكن موسى قد أعطي التوراة، وفيها علوم كثيرة؛ فظن أنه ليس أحد أعلم منه؛ فأخبر: أن في مجمع البحرين عبدًا من عبادنا أعلم منك؛ فأمر بالمصير إليه. والتعلم منه؛ فإن كان على ما ذكر أهل التأويل من السبب فيخرج الأمر له بالمصير إليه والتعلم منه مخرج العقوبة له والعتاب لما خطر بباله ووقع في وهمه ما وقع.
وجائز أن يكون الأمر له بالمصير إليه والتعلم منه ابتداء؛ محنة من اللَّه - تعالى - إياه بتعلم العلم من غير سبب كان من موسى على ما يؤمر المرء بتعلم العلم ابتداء من غير سبب؛ محنة من اللَّه يمتحنه بها؛ نحو ما أمر موسى بالمصير إلى طور سيناء، وأعطي هنالك التوراة في الألواح على غير سبب كان منه، ولكن ابتداء محنة يمتحنه بها؛ فعلى ذلك يحتمل أمره له بالمصير إلى ما أمر والتعلم منه ابتداء محنة يمتحنه بها.
وقول أهل التأويل: إن صاحب موسى الذي أمر موسى بالمصير إليه والتعلم منه - الخضر، وفتاه الذي كان يصحبه ويتبعه يوشع بن نون، فذلك لا يعلم إلا بالسمع والخبر عمن يوحى إليه؛ فيعلمه بالوحي، وأمَّا من أخبر بذلك وقاله لا عن وحي - فلا يعلم ذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة؛ إنما الحاجة إلى معرفة ما أودع فيه من أنواع الحكمة والعلوم، وأما ما ذكروا أنه فلان، وأنه كان في موضع كذا في البحر، وأن موسى قال له كذا، وهو قال لموسى كذا - فإن سبيل معرفة ذلك السمع، فإن ثبت السمع فيه، وإلا: لم يجب أن يذكر فيه أكثر مما ذكر في الكتاب؛ لأن هذه الأنباء والقصص التي ذكرت في القرآن إنما ذكرت؛ لتكون آية لرسالة نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فلو قيل فيها ما لم يذكر في كتبهم من الزيادة والنقصان - لكان ذلك سببًا لإكذابه لا تصديقه على ما يدعي من الرسالة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ).
أي: فقد الحوت هو ما كنا نبغي أنه كان ذلك علما لوجود مكان ذلك الرَّجل.
وقوله: (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ، أي: رجعا عودهما على بدئهما.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: رجعا يقصان طريقهما وآثارهما الذي مشيا فيه يطلبان المكان