(64)

وفي حرف ابن مسعود: (أَنْ أَذْكُرَهُ).

قال الحسن: لم يكن نسيه؛ ولكن تركه متعمدًا مضيعًا، وإنما أضاف إلى الشيطان؛ يقول: إن الشيطان حملني حتى تركت ذكره لك، وكذلك يقول في قوله في قصة آدم: (فَنسَيَ)، أي: ضيع أمره وتركه، ونحوه من المحال، ولكن لا يحتمل أن يترك أن يذكر له عمدًا، والشيطان مما يسعى بالحيلولة في مثل هذا: في أمر الذين، وفي النعم إذا كثرت واتسعت على إنسان؛ فيسعى بالإنساء في مثله.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا).

قَالَ بَعْضُهُمْ: عجب موسى من الفتى أن كيف نسي أن يذكره، وقد احتاج إلى أن يتحمل مؤنة عظيمة في حمله؟!

وقَالَ بَعْضُهُمْ: عجب موسى منه حين يبس له الماء وأثره فيه، واللَّه أعلم.

ثم ذكر موسى بخبر الحوت، وما صنع فقال.

(ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)

أي: نطلب من حاجتنا من الظفر بذلك الرجل، يقول ذلك لفتاه.

ثم في الآية وجوه من الفوائد:

أحدها: أن يلزم الإنسان طلب العلم واقتباسه؛ إذ كان به وبالناس حاجة إليه، وإن بعدت الشقة ونأى الموضع؛ حيث قال موسى: (لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا).

وفيه: أن لا بأس لاثنين أن يسافرا ولا كل واحد واثنين يكونان شيطانين، على ما ذكر في بعض الأخبار: " إِنَّ الوَاحِدَ شَيطَان، والاثْنَينِ شَيْطَانَانِ "، ولكن واحدًا دون واحد، واثنين دون اثنين.

وفيه: أنه لا يسافر إلا بالزاد؛ حيث تزود موسى والفتى الحوت الذي ذكر حين خرجا إلى حيث أمر موسى أن يخرج في مجمع البحرين: فأما أهل التأويل فإنهم قالوا جميعًا: إنه أمر موسى أن يأتي الخضر؛ ليتعلم منه العلم، ولكن ليس في القرآن ذكر الخضر؛ إنما فيه ذكر عبد من عباده؛ حيث قال: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015