(58)

(59)

وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو في قوم عادتهم العناد والمكابرة وتكذيب الآيات والحجج؛ فأخبر أنهم لا يؤمنون أبدًا؛ لعنادهم، وأصله ما ذكرنا، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)

يحتمل على وجهين:

أحدهما: (الْغَفُورُ) حيث ستر عليهم ولم يعاقبهم وقت عصيانهم، و (ذُو الرَّحْمَةِ) يقبل توبتهم إذا تابوا.

والثاني: (الْغَفُورُ) إذا استغفروا أو تابوا، و (ذُو الرَّحْمَةِ) يرحمهم ويتجاوز عنهم ما سبق لهم من الذنوب.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ) في الدنيا.

(بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ):

قال الحسن: جعل اللَّه لكل أمة يهلكون - لهلاكهم - موعدًا وأجلا كقوله: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ)، وقال في آية أخرى: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)، وجعل موعد هذه الأمة الساعة؛ وهو قوله: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ).

قال بعض أهل العلم: أهلك اللَّه كل أمة كذبت رسولها؛ لتتعظ الأمة التي تأتي بعدها، وجعل هلاك أمة مُحَمَّد بالساعة؛ لأنه ليس بعدها أمة تتعظ به.

وقول: (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا).

قيل: ملجأ.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: لا وئلت نفسك، أي: لا نجت، ويقال: وأل فلان إلى كذا، أي: لجأ.

وقوله: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)

فيه دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم يجعلون المهلَك هالكًا قبل أجله، وقد أخبر لمهلكهم موعدًا لا يتقدم ولا يتأخر طرفة عين.

وفي قوله: (قَدَّمَتْ يَدَاهُ): ذكر تقديم اليد، وإن لم يكن لليد صنع في ذلك؛ لما في العرف الظاهر: أنه إنما يقدم ويؤخر باليد، وكذلك ما ذكر من الكسب: (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)؛ لأنه في الشاهد إنما يكتسب باليد ونحوه، فهو يرد على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015