ثم في قوله: (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)، وقوله: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ) فريضة ضيعناها؛ وذلك أنه أمر رسوله بتبليغ رسالته وما أنزل إليه، ثم معلوم أن من كان في أقصى الدنيا وأبعد أطرافها لم يقدر رسوله أن يتولى التبليغ بنفسه وكذلك بعد وفاته لا يجوز أن يتولى بتبليغه، فكان ذلك القيام يلزم المسلمين وأئمتهم بتبليغه فضيعوا ذلك؛ ولهذا ما رخص - واللَّه أعلم - بدخول المسلمين دار الحرب للتجارة، ودخول أُولَئِكَ دار الإسلام للتجارة أيضًا؛ لينتهي إليهم خبر هذا الدِّين؛ حيث علم أنه يكون أئمة في آخر الزمان لا يهتمون لدينه ولا يتولون بتبليغ ما أمروا بتبليغه، ويضيعون أمره، فيلزمهم حجة اللَّه، وإلا ما الحاجة في تلك التجارة والأموال التي يتجرون فيها؟! ولكن ما ذكرنا، والله أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ):

قَالَ بَعْضُهُمْ: لا مبدل لسنته؛ إذ سنته في المكذبين الإهلاك، والمصدقين النجاة، هذا سنته وإن أمكن تعجيلها وتأخيرها، فأما نفس سنته فهي لا تبدل ولا تحول؛ كقوله: (وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا)، و (تَبْدِيلًا).

وقال الحسن في قوله: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ): ما وعد وأوعد لهم في الدنيا، فذلك في الآخرة لا يبدل ولا يحول؛ إذ وعد للمؤمنين الجنة، وللكافرين العذاب، فذلك لا يبدل.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) وهي القرآن لا يتبدل، ولا يغير، ولا يزداد، ولا ينقص؛ كقوله: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ).

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) لحججه وبراهينه التي جعل لدينه وأقام له ذلك، يلزم الإسلام ودينه، إلا من قصر عليه في العبادة، أو كان المقام عليه الحجة معاندًا مكابرًا.

وأما من لم يكن هذين المعنيين يسلم لا محالة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا).

هذا الخطاب وإن كان في الظاهر لرسول اللَّه، فهو يخرج مخرج التنبيه على ما ذكرنا في غير آي من القرآن.

وقوله: (مُلْتَحَدًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: مدخلا؛ ولذلك سمي اللحد: لحدًا؛ لما يدخل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015