ثم قال أهل التأويل: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سئل عن قصة أصحاب الكهف والرقيم وأنبائهم، فقال: أخبركم غدًا ولم يستثن، فعاقبه اللَّه فيه أن حبس عنه الوحي كذا وكذا يومًا، فنزل: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).
لكن ذلك فاسد، وما توهموا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - محال؛ لأنه كذب لا يجوز أن يكون رسول اللَّه يقول: (أخبركم غدًا) واللَّه لم يأمره بذلك، أو قال ولم يستثن؛ فيحبس الله الوحي عنه، ولا يخبرهم في الوقت الذي قال إنه يخبرهم؛ فيظهر كذبه عندهم بعدما اختاره لرسالته، واصطفاه لموضع وحيه، ثم يكذبه فيما أخبر؛ هذا فاسد محال غير محتمل ما توهموا به على اللَّه وعلى رسوله، قد كان من كفار مكة السعي في منع رسول اللَّه عن تبليغ الرسالة إلى الناس، والحيلولة عن الدعاء إلى ما أمر أن يدعوهم، واستقبال حججه وبراهينه بتمويهاتهم، وقد ذكر في غير قصة وخبر: أنهم سألوا اليهود عنه، وعن نعته: هل تجدون نعته في كتبكم؟ أن لم يكونوا أهل كتاب يعلمون ذلك؛ فاحتاجوا إلى من يعلمهم ويخبرهم عنه، فسألوا يهود المدينة عنه وعن خبره، فقالوا: نجد نعته في كتابنا كما يقولون، فهذا وقت خروجه وأوانه، فقالوا لهم: حدثونا بشيء نسأله لا يعلمه إلا نبي، فقالوا: سلوه عن ثلاث خصال، فإن أجابهن، فهو نبي، وإلا فهو كذاب، اسألوه عن أصحاب الكهف، واسألوه عن ذي القرنين فإنه كان ملكًا، وكان من أمره كذا وكذا، واسألوه عن الروح، فإن أخبركم فهو نبي، وإن لم يخبركم فهو كذاب، فسألوه، فأخبرهم عن ذلك.
وفي بعض القصة: اسألوه عن الروح، فإن أخبركم عنه، فهو ليس بنبي وإن لم يخبركم، ولكنه وكل أمره إلى اللَّه فهو نبي.
ثم قوله: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا):
يحتمل أن يكون الخطاب وإن كان لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فالمراد به غيره، على ما خاطبه في غير آي من القرآن والمراد به غيره.
ويحتمل أن الخطاب له والمراد هو، وإن كان هو المخاطب بهذا، فإنه يحتمل قوله: (أَمْ حَسِبْتَ. . .) إلى آخره وجهين:
أحدهما: يقول: قد حسبت أن أنباءهم وأخبارهم كانت من آياتنا لرسالتك ونبوتك