ويرغب فيما دونه، وهو ما قال: (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا).
والثاني: (مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا)؛ لأن خوف الخروج والزوال عن النعمة [ينغص النعمة على صاحبها] (?)، وهو ما قال (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)؛ وقال: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ... )
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: يعلمون أنه لم يتخذ ولدًا، ولكن يقولون ذلك على العلم منهم كذبًا وزورًا؛ كقوله: (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أي: أشرك ما أعلم منه: ليس هو لشريك له، وكقوله: (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ) أي: أتنبئون اللَّه بما لا يعلم أنه ليس على ما تقولون.
والثاني: يحتمل قوله: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ)، أي: عن جهلهم يقولون ما يقولون من الولد والشريك لا عن علم؛ تقليدًا لآبائهم؛ لأنهم ليسوا بأهل كتاب يعرفون به، ولا كانوا يؤمنون بالرسل، وأسباب العلم هذان: الكتاب والرسل، فما قالوا إنما قالوا عن جهل لا عن علم، وكذلك آباؤهم، فإن كان على هذا، ففيه دلالة أن من قال شيئًا عن جهل فإنه يؤاخذ به حيث قال: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا. . .) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ... (5)
أي: كبرت وعظمت تلك الكلمة التي قالوها على من عرف اللَّه حق المعرفة حتى كادت السماوات والأرض أن تنشق؛ لعظم ما قالوا في اللَّه كقوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ. . .) الآية.
وقوله: (إِنْ يَقُولُونَ):
أي: ما يقولون إلا كذبًا، ثم تكلم أهل الأدب في نصب (كَلِمَةً).
قَالَ بَعْضُهُمْ: انتصب على المصدر، أي: كبرت كلمتهم التي قالوها كلمة؛ كقوله: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا).
وقال قطرب: هو على الوصف؛ كما يقال: بئس رجلًا، ونعم رجلًا؛ على الوصف به، وذلك جائز في اللغة فعلى ذلك هذا.
وقال الخليل: إنما انتصب، لأنها نعت لاسم مضمر معرفة، وهو بمنزلة قوله: (سَاءَ مَثَلًا)، وإنَّمَا كان نعتا لاسم مضمر؛ لأنه قال: (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوْا