الكتاب، ولم يذكر في شيء من ذلك رقيق.
ومعنى اللطيف: استخراج الأُمور الخفية وظهورها له؛ كقوله: (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) إلى قوله: (لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، وباللَّه التوفيق.
والثاني: أن اللطيفَ حرف يدل على البر والعطفِ.
والرقة على رقة الشيء التي هي نقيض الغلظ والكثافة، كما يقال: فلان رقيق القلب.
وإذا قيل: فلان لطيف، فإنما يراد به بارٌّ: عاطف؛ فلذلك يجوز: لطيف، ولا يجوز: رقيق، وكذلك فسر من فسر " الرحمن " بالعاطف على خلْقه بالرزق.
وذهب بعضهم -وهو الأول- إلى اللطافة وذلك بعيد، وإنَّمَا هو من اللُّطف.
وقوله: أَحدُهما أَرق من الآخر، بمعنى اللطف - يحتمل وجهين:
أحدهما: التحقيق بأَن اللطف بأَحد الحرفين أَخص وأَليق، وأَوفر وأكمل، فذلك رحمته بالمؤمنين أنه يقال: رحيم بالمؤمنين على تخصيصهم بالهداية لدينه؛ ولذا ذكر أُمته وإن أشركهُم في الرزقِ فيما يراهم غيرهم؛ ألا ترى أنه لا يقال: رحمن بالمؤمنين، وجائز القول: رحيم بهم، وكذلك لا يقال: رحيم بالكافرين، مطلقًا؟! وباللَّه التوفيق.
ووجه آخر: أَن أحدهما أَلطف من الآخر؛ كأنه وصف الغاية في اللطف حتى يتعذر وجه إدراك ما في كل واحد منهما من اللطف، أو يوصف بقطع الغاية عما يتضمنه كل حرف. وباللَّه التوفيق.
ثم في هذا أن اسم " الرحمن " هو المخصوص به اللَّه لا يسمى به غيره، و " الرحيم " يجوز تسمية غيره به؛ فلذلك يوصف أن " الرحمن " اسم ذاتي، و " الرحيم " فِعْلي، وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة؛ ودليل ذلك: إنكار العرب " الرحمن "، ولا أحد منهم أنكر " الرحيم "، حيث قالوا: (قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا)، وذلك قوله: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا)، يَدُل على أنه ذاتي لا فعلي، وإن كان الفعل صفة الذات؛ إذ محالٌ صفته بغيره؛ لما يوجب ذلك الحاجة إلى غيره ليحدث له الثناءَ والمدح. وفي ذلك خَلَق الخلق لنفع الامتداح، وهو عن ذلك متعالٍ، بل بنفسه مستحق لكل حمدٍ ومدح، ولا قوة إلا باللَّه.
ورُوي في خبر القسمة: " أن العبد إذا قال: الرحمن الرَّحيم، قال اللَّه تعالى: أَثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدِّين، قال: مجدني عبدي ". وذكر أنه قال في الأول: بالتمجيد، وفي الثاني: بالثناء، وذلك واحد؛ لأن معنى الثناء الوصف بالمجد والكرم