قدرته وسلطانه، حيث أخبر أنه ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض وهي ميتة، ويخرج منها نباتًا وزروعًا وأشجارًا، فمن قدر على هذا لقادر على إحياء الأنفس بعد موتها لأنه لا فرق بين الإحياءين إحياء الأرض واحياء الأنفس، إذ من قدر على أحدهما قدر على الآخر (إِنَّ فِي ذَلِكَ) فيما ذكر (لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: لآية لقوم يسمعون المواعظ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لآية لقوم يسمعون الآيات والحجج، وأما من لم يسمع فلا يكون له آية، وأصله: إن في ذلك لآية لقوم ينتفعون بسماعهم، ولآية لقوم يعقلون، أي: ينتفعون بعقولهم، وأصله أن هذا كله يصير آية للمؤمنين على ما ذكر كله؛ لأنهم هم العاقلون عن اللَّه ما أمرهم به ونهاهم عنه، وهم يسمعون آياته ومواعظه، وكله كناية عن المؤمنين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) والعبرة الآية، أي: أنشأ لكم أنعامًا فيه الآية، هو صلة قوله: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) أي: أنزل من السماء ماء، وأنشأ الأنعام لكم فيه الآية أنشأ - عَزَّ وَجَلَّ - في الأنعام لبنًا غذاء الأولاد، في الوقت الذي لا يحتمل الغذاء بالعلف، وجعل لأربابها الانتفاع بذلك اللبن وفي الأشياء التي لا يؤكل لحمها لم يجعل لأربابها الانتفاع بما يفضل من اللبن، ولم يجعل لها فضل لبن.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ذكر بالتذكير، فظاهره أن يذكر بالتأنيث؛ لأنه إما أن يريد به الأمهات التي يدر منها اللبن أو جماعة من الذكران منها، فكيفما كان فهو يذكر بالتأنيث، لكن بعضهم يقول: ذكر باسم التذكير على إرادة الأصل الذي به كان اللبن، وهو الفحل، وهذا يدل لأبي حنيفة وأصحابه - رحمهم اللَّه - لقولهم في لبن الفحل أنه يحرم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذكر باسم التذكير على إرادة الجنس والجوهر من بين الأجناس