يصل إليه، ولكن يوعد بما توجبه الحكمة، فدل أن الوعيد لازم واجب.
ونحن نقول: يوعد بما توجبه الحكمة، وقد أمهلهم بعد الوعيد، فعلى ذلك يجوز أن يخرجهم من النار بعد ما أدخلهم النار؛ بما ارتكبوا من الكبائر.
ثم في قوله: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ. . .) الآية - دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم يقولون: ليس لله أن يهلك قومًا قد علم منهم الإيمان في وقت، أو يكون في أصلابهم من يؤمن؛ إذ قد كان ممن أوعد ذلك الوعيد من بعضهم الإيمان أو في أصلابهم من قد كان آمن، فدل الوعيد لهم أنه قد يهلك من يعلم أنه يؤمن في آخر عمره؛ إذ لا يوعد إلا بما له أن يفعل لكنه بفضله أخره إلى وقت وفيه دلالة أن له أن يفعل بما ليس ذلك باصلح لههم في الدِّين.
ثم اختلف في قوله: (بِظُلْمِهِمْ): قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا للكفرة خاصة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لهم وللمؤمنين كل مرتكب زلة؛ إذ ما من أحد ارتكب زلة إلا وقد استوجب العقوبة بذلك والمؤاخذة به، لكنه بفضله عفا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أراد بالدابة: الدابة التي خلقها لهم، إذا أهلك الناس فقد أهلك الدواب؛ إذ خلقه إياها لهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: ما ترك عليها من دابة: أي: على ظهر الأرض من دابة؛ لأن الدواب إنما تتعيش بالذي يتعيش الناس؛ فإذا هلكوا هم هلكت الدواب أيضًا؛ لما ذهب سبب عيشها. وجائز أن يكون أراد بالدابة البشر؛ أي: ما تركهم بظلمهم ولكن يهلكهم، وسماهم دابة لأنه إذا ذكرهم في موضع الظلم وإن كان سماهم في غير موضع بالأسماء الحسنة، وهو كما سماهم في موضع آخر دابة؛ حيث قال: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)، ولا شك أن البشر دخلوا في هذه التسمية، فعلى ذلك جائز دخولهم في الأخرى، وإن كان المراد مما ذكر من الدابة البشر فالأنبياء والرسل إنما يكون هلاكهم بقطع نسلهم؛ لأن الأنبياء أكثرهم ولدوا من الآباء الظلمة؛ فإذا أهلك