الحقيقة عباد إلهين؛ لأنهم إنما كانوا يعبدون تلك الأصنام بأمر الشيطان وطاعتهم إياه، فنسب العبادة إليه؛ لما بأمره يعبدون هذه الأصنام واللَّه أعلم؛ ألا ترى أن إبراهيم قال لأبيه: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ)، وإن كان في الظاهر لا يعبد الشيطان، لكن لما بأمره يعبد الأصنام أضاف العبادة إليه، أو أن يكون المراد من ذكر اثنين: إنما هو على الزيادة على الواحد، كأنه قال: لا تتخذوا ولا تعبدوا أكثر من إله واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
لا تخافون الأصنام التي تعبدونها؛ فإنكم إن تركتم عبادتها لا تضركم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)
أي: وله يخضع ما في السماوات والأرض وأنتم لا تخضعون، أو ما في السماوات والأرض كلهم عبيده وإماؤه؛ فكيف أشركتم عبيده في ألوهية اللَّه تعالى وربوبيته؟
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا).
قَالَ بَعْضُهُمْ: دائمًا؛ لأن غيره من الأديان كلها يبطل ويضمحل، ويبقى دينه في الدارين جميعًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا) أي: مخلضا، من الوصب والنصب، والتعب، وتأويله - واللَّه أعلم -: أي: وله دين لا يوصل إليه إلا بتعب وجهد؛ فاجتهدوا واتعبوا؛ لتخلصوا له الدِّين؛ هذا معنى قوله: (مخلصا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ).
أي: مخالفة غير اللَّه تتقون؛ أي: لا تخافوا ولكن اتقوا مخالفة اللَّه لا تتقوا مخالفة، غيره.
أو يقول: لا تخافوا غير اللَّه ولا تتقوا سواه، ولكن اتقوا اللَّه واتقوا نقمته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)
أي: تتضرعون؛ يخبر عن سفههم وقلة عقلهم أنهم يعلمون أن له ما في السماوات والأرض، وأن كل ذلك ملكه، وأن ما لهم من النعمة منه، وأن ما يحل بهم من البلاء